الحمد لله.
أولًا:
ترجمة الفارابي
ترجم الإمام الذهبي للفارابي، وذكر أنَّه: "أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان.
شيخ الفلسفة، الحكيم، أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ التركي الفارابي المنطقي، أحد الأذكياء.
له تصانيف مشهورة، من ابتغى الهدى منها، ضل وحار، منها تخرج ابن سينا، نسأل الله التوفيق.
وقد أحكم أبو نصر العربية بالعراق، ولقي متى بن يونس صاحب المنطق، فأخذ عنه، وسار إلى حرَّان، فلزم بها يوحنا بن جيلان النصراني.
وسار إلى مصر، وسكن دمشق.
فقيل: إنه دخل على الملك سيف الدولة بن حمدان وهو بزي الترك.
وكان فيما يقال: يعرف سبعين لسانًا، وكان والده من أمراء الأتراك، فجلس في صدر المجلس، وأخذ يناظر العلماء في فنون.
فعلا كلامه، وبان فضله، وأنصتوا له.
ثم إذا هو أبرع من يضرب بالعود، فأخرج عودًا من خريطة، وشده، ولعب به، ففرح كل أهل المجلس، وضحكوا من الطرب.
ثم غير الضرب، فنام كل من هناك حتى البواب فيما قيل، فقام وذهب.
ويقال: إنه هو أول من اخترع القانون.
وكان يحب الوحدة، ويصنف في المواضع النزهة، وقل ما يبيض منها.
وكان يتزهد زهد الفلاسفة، ولا يحتفل بملبس ولا منزل.
أجرى عليه ابن حمدان في كل يوم أربعة دراهم.
ويقال: إنهم سألوه: أأنت أعلم أو أرسطو؟
فقال: لو أدركته لكنت أكبر تلامذته.
ولأبي نصر نظم جيد، وأدعية مليحة على اصطلاح الحكماء.
ذكره أبو العباس بن أبي أصيبعة، وسرد أسامي مصنفاته وهي كثيرة.
منها مقالة في إثبات الكيمياء، وسائر تواليفه في الرياضي والإلهي.
وبدمشق كان موته في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة عن نحو من ثمانين سنة، وصلى عليه الملك سيف الدولة بن حمدان، وقبره بباب الصغير" انتهى.
انظر: "سير أعلام النبلاء"(15/ 416 -418).
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم:(259065).
ثانيًا :
المآخذ على الفارابي
الذين رموا الفارابي بالكفر من أهل العلم ، إنما رموه بذلك لأجل ما وقع في كتبه الفلسفية من الانحراف عن موجب دين الإسلام، والأخذ بمقالات الفلاسفة المخالفة لما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ولهذا الفلاسفة المحضة - الباقون على محض كلام المشائين - يرون أن ابن سينا صانَعَ المِلّيين، لما رأوا من تقريبه [يعني: بين الآراء الفلسفية والقواعد الإسلامية]. وجهلوا فيما قالوا، وكذبوا؛ لم يصانع ، ولكن قال - بموجب الحق، وبموافقة أصولهم العقلية - ما قاله من الحق الذي أقر به، كما أن الفلاسفة الإلهيين المشائين وغيرهم متفقون على الإقرار بواجب الوجود، وببقاء الروح بعد الموت ، وبأن الأعمال الصالحة تنفع بعد الموت ، ويخالفهم في ذلك فلاسفة كثيرون من الطبيعيين وغيرهم ، بل وبين الإلهيين من الفلاسفة خلاف في بعض ذلك . حتى الفارابي وهو عندهم المعلم الثاني يقال: إنه اختلف كلامه في ذلك؛ فقال تارة ببقاء الأنفس كلها ، وتارة ببقاء النفوس العالمة دون الجاهلة، كما قاله في آراء المدينة الفاضلة ، وتارة كذب بالأمرين، وزعم الضال الكافر: أن النبوة خاصتها جودة تخييل الحقائق الروحانية ، وكلامهم المضطرب في هذا الباب كثير ليس الغرض هنا ذكره" انتهى من "مجموع الفتاوى"(2/86).
وقال أيضا:
" .. وكما يزعم الفارابي: أن الفيلسوف أكمل من النبي؛ وإنما خاصة النبي جودة التخييل للحقائق!!
إلى أنواع من الزندقة والكفر يلتحقون فيها بالإسماعيلية؛ والنصيرية؛ والقرامطة؛ والباطنية؛ ويتبعون فرعون والنمروذ وأمثالهما من الكافرين بالنبوات، أو النبوة والربوبية.
وهذا كثير جدا في هؤلاء وهؤلاء ، وسبب ذلك عدم أصلٍ في قلوبهم ، وهو الإيمان بالله والرسول. فإن هذا الأصل إن لم يصحب الناظر والمريد والطالب في كل مقام؛ وإلا خسر خسرانا مبينا. وحاجته إليه كحاجة البدن إلى الغذاء، أو الحياة إلى الروح، فالإنسان بدون الحياة والغذاء لا يتقوم أبدا، ولا يمكنه أن يعلم، ولا أن يعمل. كذلك الإنسان بدون الإيمان بالله ورسوله لا يمكنه أن ينال معرفة الله، ولا الهداية إليه، وبدون اهتدائه إلى ربه: لا يكون إلا شقيا معذبا، وهو حال الكافرين بالله ورسوله" انتهى من "مجموع الفتاوى"(2/67).
وقال ابن كثير: "التركي الفيلسوف، وكان من أعلم الناس بالموسيقى، بحيث كان يتوسل بصناعته إلى التأثير في الحاضرين من مستمعيه، إن شاء حرك ما يبكي أو ما يضحك أو ما ينوم.
وكان حاذقًا في الفلسفة، ومن كتبه تفقه ابن سينا، وكان يقول بالمعاد الروحاني لا الجثماني، ويخصص بالمعاد الأرواح العالمة لا الجاهلة، وله مذاهب في ذلك يخالف المسلمين والفلاسفة من سلفه الأقدمين، فعليه إن كان مات على ذلك لعنة رب العالمين.
مات بدمشق فيما قاله ابن الأثير في (كامله) ولم أر الحافظ ابن عساكر ذكره في تاريخه: لنتنه وقباحته. فالله أعلم»، انتهى.
انظر: "البداية والنهاية"(15/207).
ونقل ابن حجر في "لسان الميزان" عن ابن أَبِي الدم الحموي الفقيه الشافعي شارح الوسيط في كتابه الملل والنحل، قال: "لم يقم أحد من هؤلاء يعني فلاسفة الإسلام مقام أبي نصر الفارابي، وَأبي علي بن سيناء، وكان أبو علي أقوم الرجلين وأعلمهم، إلى أن قال: وقد اتفق العلماء على أن ابن سيناء كان يقول بقدم العالم، ونفي المعاد الجسماني، وَلا ينكر المعاد النفساني، ونقل عنه أنه قال: إن الله لا يعلم الجزئيات بعلم جزئي، بل بعلم كلي.
فقطع علماء زمانه ومن بعدهم من الأئمة ممن يعتبر قولهم أصولًا وفروعًا بكفره، وبكفر أبي نصر الفارابي، من أجل اعتقاد هذه المسائل، وأنها خلاف اعتقاد المسلمين".
انظر: "لسان الميزان"(3/179).
والله أعلم .
تعليق