الحمد لله.
أولا:
الموت أمر مقدر ومكتوب على العباد
الموت أمر كتبه الله تعالى وقدره على عباده، كما قال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/2، وقال: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ العنكبوت/57، وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا آل عمران/145.
روى البخاري (3208)، ومسلم (2643)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ :إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ .
وروى مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. قال: وعرشه على الماء .
والموت يقدره الله بأسبابه، ويقدر زمانه ومكانه، فمن الناس من يموت بالمرض، ومنهم من يموت بالقتل، وغير ذلك، ومنهم من يموت ببلده، ومنهم من يموت بغيره.
وإذا قدّر الله أن فلانا يموت بالمرض، فلابد أن يموت به، سواء اكتشف المرض أم لا، وسواء عولج أو لم يعالج، لكن يشرع للمريض أن يأخذ بأسباب العافية وأن يتداوى، فإنه لا يعلم هل كتب الله موته بهذا المرض أم لا.
وإذا قدّر الله أن فلانا يموت في أقصى الأرض بعيدا عن بلده، فلابد أن يقع ذلك، وترى هذا الإنسان ينتقل إلى ذلك الموضع لينفذ فيه قدر الله.
قال تعالى: وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ آل عمران/154.
وقال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ لقمان/34.
ثانيا:
هل هناك مزية لموت الإنسان بعيدا عن موضع مولده؟
إذا مات الإنسان بعيدا عن موضع مولده كان ذلك خيرا له؛ لحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: " تُوُفِّيَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ عَنْ وَلَدٍ ، بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا لَيْتَهُ مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ ، قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ.
أخرجه النسائي في "سننه" (1832)، وابن ماجه في "سننه" (1614)، وابن حبان في "صحيحه" (2934)، والطبراني في "المعجم الكبير"(13/39)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (9421) ، والآجري في "الغرباء" (37)، جميعا من طريق ابن وهب.
وأخرجه أحمد في "مسنده" (6656)، من طريق ابن لهيعة.
وحسنه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه".
ثالثا:
لا إثم عليكم في تأخير العلاج، فهي رغبة والدكم، والتداوي مستحب غير واجب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ليس بواجب عند جماهير الأئمة إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد " نقله السفاريني في "غذاء الألباب" (1/459).
فنسأل الله أن يرحم والدك وأن يتجاوز عنه، وأن يلحقه بالشهداء والصالحين.
وانظري جواب السؤال رقم:(334078).
والله أعلم.
تعليق