الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

كيف أكون من العاملين بالقرآن؟

364967

تاريخ النشر : 05-05-2021

المشاهدات : 22550

السؤال

احفظ من القران خمسة أجزاء وأنا مستمره في الحفظ ولله سؤالي : كيف أكون من العاملين بالقران ؟ ومتى اطمئن أني عملت بالقران ؟ واخيرا : القران غزير بالعلم -كما تعلمون - وقد يستنبط العلماء من الآية الواحدة أحكاماً كثيرة فهل من الممكن العمل بالقران كله ؟ وهل حافظ القران إن لم يعمل بكل ما حفظ لا يثاب يوم القيامة عليه بل يعاقب ؟

الحمد لله.

أولا:

نهنئك على هذا العمل الشريف العظيم من السعي في حفظ القرآن الكريم والعمل به.

وتحسن مراجعة جواب سؤال مزايا حافظ القرآن في الدنيا والآخرة .

ثانيا:

الواجب على قارئ القرآن

الواجب على قارئ القرآن هو أن يؤمن به ولا يهجره.

قال الله تعالى:

( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) البقرة (121).

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" يخبر تعالى أن الذين آتاهم الكتاب، ومنَّ عليهم به منة مطلقة، أنهم ( يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ) أي: يتبعونه حق اتباعه، والتلاوة: الاتباع، فيحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 65).

وقال الله تعالى:

( وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) الفرقان (30).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين أنه قال: ( يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا )، وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يسمعونه، كما قال تعالى: ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ )، وكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه. فهذا من هجرانه، وترك علمه وحفظه أيضا من هجرانه، وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره - من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره - من هجرانه، فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء، أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه، من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يحبه ويرضاه، إنه كريم وهاب " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6 / 108).

وقال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" معنى هذه الآية الكريمة ظاهر، وهو أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - شكا إلى ربه هجر قومه، وهم كفار قريش لهذا القرآن العظيم، أي: تركهم لتصديقه والعمل به، وهذه شكوى عظيمة، وفيها أعظم تخويف لمن هجر هذا القرآن العظيم، فلم يعمل بما فيه من الحلال والحرام والآداب والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من العقائد، ويعتبر بما فيه من الزواجر والقصص والأمثال " انتهى. "أضواء البيان" (6 / 350 – 351).

أركان الإيمان بالقرآن الكريم

وحاصل هذا؛ أن الواجب على المسلم أن يحقق أركان الإيمان بالقرآن الكريم:

الركن الأول:

أن يصدق بكل ماورد فيه من أخبار، ويحل ما أحله ويحرم ما حرمه، ولا يشك في شيء من ذلك، ولا يكره شيئا مما شرعه.

قال الله تعالى:

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) محمد (8 – 9).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" فمن أبغض شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أبغض شعيرة من شعائر الإسلام، أو أبغض أي طاعة مما يتعبد به الناس في دين الإسلام فإنه كافر، خارج عن الدين لقول الله تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ).

ولا حبوط للعمل إلا بالكفر، فمن كره فرض الصلوات فهو كافر ولو صلى، ومن كره فرض الزكاة فهو كافر ولو زكى " انتهى. "تفسير جزء عمّ" (ص 334).

الركن الثاني:

أن يعمل بأوامره قدر استطاعته ويجتنب نواهيه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337).

وقد فصلت السّنة أوامر القرآن وبينت الواجب منها والنافلة، فإذا اقتصر المسلم على الواجبات مع اجتناب المحرمات فقد فاز.

عن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ، قال: ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.

فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟

قَالَ: لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَصِيَامُ رَمَضَانَ.

قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟

قَالَ: لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.

قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ.

قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟

قَالَ: لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.

قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ ) رواه البخاري (46) ومسلم (11).

قال ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى:

" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفلح إن صدق ) ففيه دليل والله أعلم على أن من أدى فرائض الله، وجبت له الجنة إذا اجتنب محارمه؛ لأن الفلاح معناه البقاء في نعيم الجنة التي أكلها دائم وظلها، وفاكهتها لا مقطوعة ولا ممنوعة؛ وعلى أداء فرائض الله واجتناب محارمه، وعد الله المؤمنين بالجنة والله لا يخلف الميعاد " انتهى. "التمهيد" (16 / 174).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" طبقة أهل النجاة، وهى طبقة من يؤدى فرائض الله ويترك محارمه، مقتصراً عل ذلك لا يزيد عليه ولا ينقص منه. فلا يتعدى إلى ما حرم الله عليه، ولا يزيد على ما فرض عليه.

هذا من المفلحين بضمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أخبره بشرائع الإسلام، فقال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ( أفلح إن صدق ).

وأصحاب هذه الطبقة مضمون لهم على الله تكفير سيئاتهم، إذا أدوا فرائضه واجتنبوا كبائر ما نهاهم عنه.

قال تعالى: ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) " انتهى. "طريق الهجرتين" (2 / 825).

وإذا اجتهد في النوافل وسابق فيها، فهو الأليق والأحسن بقارئ القرآن.

قال الله تعالى:

( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الزمر (55).

وقال الله تعالى:

(فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) الزمر (17 - 18).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فقد أمر المؤمنين باتباع أحسن ما أنزل إليهم من ربهم ...

واتباع القول إنما هو العمل بمقتضاه ، ومقتضاه فيه حسن، وأحسن . قال: (فَبَشِّرْ عِبَادِ ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) .

والقرآن تضمن خبرا وأمرا ؛ فالخبر عن الأبرار والمقربين ... فلا ريب أن اتباع الصنفين حسن واتباع المقربين أحسن، والأمر يتضمن الأمر بالواجبات والمستحبات. ولا ريب أن الاقتصار على فعل الواجبات حسن وفعل المستحبات معها أحسن، ومن اتبع الأحسن فاقتدى بالمقربين وتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض كان أحق بالبشرى " انتهى. "مجموع الفتاوى" (16 / 5 – 6).

الركن الثالث:

الاجتهاد في تلاوته بتدبر.

والفرض في تلاوته، هو ما تعلق بالصلاة، وأما خارجها فالأمر فيها واسع، لكن على قارئ القرآن أن يتعاهده يوميا ولا ينشغل عنه إلى حد نسيانه، فهذا أمر عدّه جمع من أهل العلم من الذنوب.

وللأهمية طالعي جواب السؤال رقم (127485).

ثالثا:

قارئ القرآن هو كسائر الناس معرض للعقوبة إن ترك واجبا أو فعل محرما، لكن إن خالف بترك الواجبات أو فعل المحرمات، فمخالفته أشنع لقوة الحجة عليه وكونه قد أكرم بالقرآن فلم يشكر هذه النعمة.

طالعي للأهمية جواب السؤال رقم (196054).

وتحسن مطالعة كتاب "أخلاق أهل القرآن" للآجري رحمه الله تعالى.

وكتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" للنووي رحمه الله تعالى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب