الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ترغب في تعلم فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

375732

تاريخ النشر : 23-09-2022

المشاهدات : 5687

السؤال

أريد أن أتعلم فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل من كتب تعلم هذا؟ فأنا أكره أن تكون النصيحة بشكل عشوائي لأبرئ ذمتي وحسب، بل لابد أن أتحلى بالحكمة، فأنا أقابل شرائح كثيرة من النساء؛ الجدات، والأمهات، والصغيرات، والمراهقات، والخادمات غير المتحدثات بالعربية من المسلمات وغير المسلمات،إلخ، أحيانا أدخل تجمع للنساء فيه جميع هذه الأصناف باختلاف نفسياتهن، وكل صنف أجد فيه الكثير من المنكرات، فكيف لي أن أكون الناصحة في هذا التجمع الكبير؟هل أذهب عند كل واحدة أرى عليها منكرا وأبدأ في نصحها؟ سينتهي اللقاء وأنا لم أنتهي، وقد لا أجد فرصة، وقد أجد لكنني أتخوف من أسلوبي، أحيانا أكون في مزاج سيء فأنصحهن بطريقة فجة، ولست مخولة بإلقاء كلمة أنصحهن فيها، ولن يسمعنها كلهن، أحيانا أحتفظ بأرقامهن وأراسلهن بالنصيحة، ولكن لا يتسنى هذا لي دائما، وبعض هذه التجمعات لا تتكرر، وبعضها تتكرر، ولا أزال أتذكر من رأيتها على منكر ولم أنصحها. فهل أنا مكلفة بالإنكار على كل من أرى وأسمع مهما كان الحال؟ خاصة أنني طالبة العلم التي إن رأوا سكوتها بوجود منكر لفهموا أنه ليس منكرا، لقد بدأت أنعزل عن الناس، أخشى من عقوبة أن أرى منكرا ولا أنكره.

الحمد لله.

أولا:

حكم إنكار المنكر

إنكار المنكر هو من الواجبات الشرعية.

عن أَبي سَعِيدٍ الخدري، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ رواه مسلم (49).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (فليغيره) فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة ، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين " انتهى من"شرح صحيح مسلم" (2/22).

لكنه كغيره من الواجبات؛ لم يأت التكليف به على وجه يحصل به – على الآمر - الحرج والمشقة غير المحتملة.

قال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ البقرة/185.

وقال الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ المائدة/6.

ولا شك أن التجمعات الكبيرة التي يشترك أفرادها في ارتكاب أنواع المنكرات، يشق على المنكر أن يطوف عليهم واحدا واحدا.

وما يشق أكثره لا يترك كله، بل على القائم بهذه العبادة أن يوازن فيقدم الأهم فالأهم، ويقدم الإنكار الواجب على أصحاب المحرمات، على النصيحة المستحبة، كنصيحة من يترك سننا أو يتبع أقوالا لأهل العلم مرجوحة.

ويقدم الإنكار على من ستفوت فرصة الإنكار عليه، على من لا تفوت لقرب مسكنه أو إمكانية الاتصال به.

ويهتم بالإنكار على من يُظن به قبول النصح، فيقدم على من يغلب الظن أنه يعاند ويخاصم.

قال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام رحمه الله تعالى:

" إذا اجتمعت المصالح الأخروية الخالصة، فإن أمكن تحصيلها حصلناها، وإن تعذر تحصيلها، حصلنا الأصلح فالأصلح، والأفضل فالأفضل، لقوله تعالى: ( فَبَشِّرْ عِبَادِ ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ )، وقوله: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ )، وقوله: ( وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ).

فإذا استوت مع تعذر الجمع: تخيرنا... " انتهى من "قواعد الأحكام" (1 /62–66).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وتمام " الورع " أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها؛ وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية، فقد يدع واجبات ويفعل محرمات " انتهى من"مجموع الفتاوى" (10/512).

وكذا لا ينشغل بإنكار الأمور الاجتهادية، التي يسع القول فيها، وليس على أي من طرفي الخلاف، أو أطرافه دليل بين تقوم بمثله الحجة. لا سيما إذا كثرت المنكرات الصريحة المخالفة للثابت من كتاب الله، أو سنة رسوله؛ فمثل هذه المسائل – وما أكثرها في واقع أهل الزمان -: أولى بالإنكار والبيان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:

" المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين: تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/80) .

وينظر تفصيل القول في ذلك، والتفريق بين "مسائل الاجتهاد" و"مسائل الخلاف" في جواب السؤال رقم:(70491). 

ولا يحسن بك أن تنقطعي عن النساء جملة، بل عليك بالمخالطة بالقدر الذي تستطيعين به الإصلاح، ولا تحرمي نفسك من أجر نفع الناس، مقتدية بقوله تعالى:

إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ هود/88.

وللأهمية يحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (245773).

ثانيا:

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن خوطب به جميع أفراد الأمة؛ كما في حديث أبي سعيد السابق؛ إلا أنه إذا قام به بعض أفراد الأمة سقط الوجوب عن الباقين، كما يشير إلى هذا قول الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  آل عمران/104.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" قد مضى القول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه السورة.

و" من" في قوله: ( مِنْكُمْ ) للتبعيض، ومعناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء، وليس كل الناس علماء.

وقيل: لبيان الجنس، والمعنى لتكونوا كلكم كذلك.

قلت: القول الأول أصح، فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية... " انتهى من"تفسير القرطبي" (5/253).

وقال النووي رحمه الله تعالى:

" ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أولا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف " انتهى من"شرح صحيح مسلم" (2/23).

فإذا علمت أن هناك من ينهى هؤلاء النساء عن منكراتهن، كأن يكون لهؤلاء النساء آباء أو أزواج أو أبناء يتابعوهن بالأمر والنهي، فإنه يسقط عنك وجوب النهي عن هذه المنكرات، في هذه الحال.

لكن إذا كانت صاحبة المنكر قد سبق وأن نهاها بعض المسلمين، لكنها عاندت وأصرت على منكرها، هل النهي السابق يكفي في سقوط وجوب نهيها، أم يجب تكرار النهي؟

في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، وترك الإنكار على من عرف بالعناد، والانصراف إلى الإنكار على من يظن أنه يتقبل النصح، هو تصرف معتبر عند أهل العلم.

كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (304654).

ثالثا:

كتب في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من الكتب النافعة في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وكتاب " القول البين الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " للشيخ عبد العزيز الراجحي.

وكتاب " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء الكتاب والسنة " للشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحقيل.

وكتاب " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصوله وضوابطه وآدابه " للشيخ الدكتور خالد السبت.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب