الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل تنفسخ المزارعة بموت المزارع أو صاحب الأرض؟

376988

تاريخ النشر : 03-08-2022

المشاهدات : 3044

السؤال

يملك أبي قطعة أرض فلاحية لا غرس فيها، وقد أردت أن أحييها، واستثمر فيها بأن أغرس فيها أشجاراً مثمرة، وأحفر بئرا عميقة، أفضل من أن لا يستفيد منها أحد، الشائع في بلدنا في مثل هذه الحال أن يطلب الأبناء من الوالد تقسيم التركة في حياته؛ ليستطيع كل أن يستغل نصيبه، لكني كرهت ذلك حفظاً لحقوق أبي في حياته، فعلى هذا اتفقت مع أبي أن نبرم عقد شراكة بيننا، والاتفاق كان شفوياً في انتظار توثيقه، بأن عليه الأرض، وعلي كل تكاليف الزراعة: مياه الري، الأسمدة، المشاتل، الحرث، اليد العاملة، ويكون نصيب كل طرف نصف المحصول. السؤال: إن عشت بعد إبي كيف تقسم التركة بيني وبين إخوتي؟ هل تقسم الأرض وما عليها بالتساوي بيننا؛ لأن الأرض مازالت ملكاً لأبي، أم إن عقد الشراكة يستمر فأكون شريكاً للورثة علماً أني أحدهم؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

يجوز أن تتفق مع والدك على المزارعة أو المغارسة، على أن يكون لك نصف المحصول، ولا حرج أن يكون منك المشاتل، ومياه الري، والأسمدة، والحرث، والعمال.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وَأَمَّا الْمُزَارَعَةُ، فَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ، أَوْ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، أَوْ كَانَ مِنْ شَخْصٍ أَرْضٌ، وَمِنْ آخَرَ بَذْرٌ، وَمِنْ ثَالِثٍ الْعَمَلُ، فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ.

وَالصَّوَابُ: أَنَّهَا تَصِحُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ؛ فَهُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يُعَمِّرُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَقِصَّةُ أَهْلِ خَيْبَرَ هِيَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَبْذُرُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِيهِمْ بَذْرًا مِنْ عِنْدِهِ، وَهَكَذَا خُلَفَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ مِثْلُ: عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُزَارِعُونَ بِبَذْرٍ مِنْ الْعَامِلِ ...

وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الْمُزَارَعَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، فَلَيْسَ مَعَهُمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَلَا أَثَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ ...

وَكَانَ عُمَرُ يُزَارِعُ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ، فَلَهُ كَذَا، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.

فَجَوَّزَ عُمَرُ هَذَا وَهَذَا، وهذا هو الصواب " انتهى، باختصار، من "الفتاوى الكبرى"(5/ 100- 101).

ثانيا:

تنفسخ المزارعة بموت أحد المتعاقدين.

قال في "شرح منتهى الإرادات" (2/191):

" والوكالة والشركة والمضاربة والمساقاة والمزارعة الوديعة والجعالة والمسابقة والعارية: (عقود جائزة [أي غير لازمة] من الطرفين) ; لأن غايتها إذن، وبذل نفع ؛ وكلاهما جائز .

(لكل) من المتعاقدين (فسخها) ، أي هذه العقود ، كفسخ الإذن في أكل طعامه .

(وتبطل) هذه العقود (بموت أو جنون) مطبق، لأنها تعتمد الحياة والعقل ؛ فإذا انتفى ذلك ، انتفت صحتها ، لانتفاء ما تعتمد عليه، وهو أهلية التصرف.

لكن لو وكل ولي يتيم أو ناظر وقف ، أو عقد عقدا جائزا غيرها، ثم مات: لم تبطل بموته ; لأنه متصرف على غيره . كما في الإقناع وغيره" انتهى.

وفي "الموسوعة الفقهية" (37/77) فيما تنفسخ به المزارعة: "رابعا: موت أحد المتعاقدين:

ذهب الحنفية إلى أن المزارعة تفسخ بموت أحد المتعاقدين، سواء صاحب الأرض، أو المزارع، وسواء أكانت الوفاة قبل زراعة الأرض أم كانت بعدها، وسواء أكان الزرع بقلا أم بلغ الحصاد.

ووجه ذلك أن العقد أفاد الحكم للعاقد خاصة دون وارثه، لأنه عاقد لنفسه، والأصل أن من عقد لنفسه بطريق الأصالة؛ فإن حكم تصرفه يقع له، لا لغيره؛ إلا لضرورة.

وذهب الحنابلة إلى ذلك أيضا وقالوا: إن على ورثة المزارع متابعة العمل إذا كان المزارع هو المتوفى، وكان الزرع قد أدرك، ولكنهم لا يجبَرون على ذلك، وقالوا: هذا ما لم يكن المزارع مقصودا لعينه، فإن كان مقصودا لعينه لم يلزم ورثته ذلك" انتهى.

وعليه؛ فيكون الورثة بالخيار بين أن يقتسموا الأرض، أو أن يعقدوا معك أو مع غيرك عقد مزارعة في نصيبهم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب