الحمد لله.
أولًا :
الترجيح بين القراءات يظهر في كلام أهل العلم بطريقتين :
الأولى : الترجيح الذي يفضي إلى إنكار قراءة ثابتة، أو تضعيفها، أو التوهين من شأنها، والأظهر أن هذا لا يصح ، لأن هذه القراءات ثبتت، ولا وجه لتضعيفها، ولكنا يُعتذر لهؤلاء العلماء بأن القراءة لم تصلهم بوجه صحيح، أو غير ذلك من الأعذار.
الثانية : الترجيح بين القراءات، بمعنى: اختيار قراءة، وتفضيلها على أخرى لعلَّة معينة دعت إلى هذا الاختيار أو الترجيح.
والطريقة الثانية معمول بها عند كثير من المحققين من أهل العلم.
قال ابن عطية : "هذه القراءات لا يظن إلا أنها مروية عن النبي عليه السلام: وبجميعها عارض جبريل عليه السلام مع طول السنين توسعة على هذه الأمة، وتكملة للسبعة الأحرف حسب ما بيناه في صدر هذا التعليق، وعلى هذا لا يقال: هذه أولى من جهة نزول القرآن بها، وإن رجحت قراءة فبوجه غير وجه النزول"، انتهى من"تفسير ابن عطية" (1/513).
ويقول د. مساعد الطيار : " موضوع الترجيح بين القراءات، وهو قديم الوجود، وقد نشأ مع اختيار الأئمة للقراءات، والاختيار جزء من الترجيح.
وغالبًا ما يكون الاختيار والترجيح مبنيًا على علَّه معينة دعت ذلك إلى هذا الاختيار أو الترجيح. وهذا العمل لم يكن فيه أي ضير عند العلماء، ولم يصدر المنع في الترجيح بين القراءات والتشديد في ذلك إلا متأخرًا.
وهي مسألة لها تعلق بتفاضل كلام - الله سبحانه وتعالى - من وجه، والتفاضل ثابت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد أخبر عن فضل بعض سور القرآن وآيه في غير ما حديث " انتهى من"شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي" (ص244) .
وانظر لمزيد من الأقوال في ذلك :
"منهج الإمام الطبري في القراءات" (ص 148-164).
ثانيًا :
ذكر العلماء ضوابط للترجيح بين القراءات، وهي:
1- ضرورة الإقرار بحسن جميع القراءات، وعدم إسقاط القراءة المرجوحة.
2- أن يبين سبب الترجيح بين القراءات، من نحو، أو صرف، أو بلاغة، أو تفسير، أو غير ذلك.
3- ألا يكون الترجيح بين القراءتين المختلفتين في المعنى، لأن المقصود من ذلك تكثير المعاني.
انظر : "الترجيح بين القراءات، مفهومه، وموقف المفسرين منه" ، د. نور عتر بمشاركة آخرين (ص7 - 9).
يقول ابن تيمية: " ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده؛ بل قد يكون معناها متفقا أو متقاربا.
.... فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى: كلها حق، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى، بمنزلة الآية مع الآية؛ يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما تضمنته من المعنى علمًا وعملًا، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى، ظنًّا أن ذلك تعارض" انتهى من "مجموع الفتاوى" (13/393).
وتعدد القراءات يستفاد منه تعدد المعاني، إذ كل قراءة زادت معنى جديدًا لم تبينه أو توضحه القراءة الأخرى، وبهذا اتسعت المعاني بتعدد القراءات، إذ تعدد القراءات يقوم مقام تعدد الآيات القرآنية.
والاختلاف والتنوع في القراءات القرآنية يشبه إلى حدٍ كبير ظاهرة تكرار القصص القرآني، فكل آية أو واقعة تبين معنى جديدًا لم تبينه الآية أو الواقعة السابقة .
والله أعلم.
تعليق