الحمد لله.
أولا:
لكل صلاة وقت مفروض لها، فلا يجوز أن تخرج الصلاة عن وقتها، بل على المسلم أن يصليها في وقتها على أي حال كان، فمن أخرج الصلاة عن وقتها فقد وقع في التفريط المحرم.
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةَ الْأُخْرَى رواه مسلم (681).
لكن يجوز تأخير الصلاة إلى وقت التي تليها إذا كان بنية الجمع، فيجوز أن يؤخر الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء إذا وجد عذر مشروع.
عن أَبي مُعَاوِيَةَ، ووَكِيعٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ “.
فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: ” كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ”.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: “أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ” رواه مسلم (705).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” … والراجح أنه – الجمع – جائز لهذه الأسباب وغيرها بين الظهرين والعشاءين عند وجود المشقة بترك الجمع، كما يفيده حديث ابن عباس رضي الله عنه…
القول الصحيح في هذه المسألة: أنه يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأعذار، كما يجوز الجمع بين العشاءين، والعلة هي المشقة، فإذا وجدت المشقة في ليل أو نهار جاز الجمع.
فأسباب الجمع هي: السفر، والمرض، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة، ولكن لا تنحصر في هذه الأسباب الخمسة، بل هذه الخمسة التي ذكرها المؤلف كالتمثيل لقاعدة عامة وهي: المشقة ” انتهى. “الشرح الممتع” (4 / 392 – 393).
ثانيا:
وبما سبق يتبيّن أن المريض إذا احتاج إلى جلسة نقل الدم، كحال من يحتاج إلى غسيل الكلية ونحوه، إن كانت هذه الجلسة في وقت صلاة الظهر أو المغرب وتستغرق جميع وقت الصلاة، فلا حرج أن يجمع بين الصلاتين اللتين تدخل إحداهما في وقت الجلسة، إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير بحسب الحال، فيجمع الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء.
وأما إذا علم أن جلسة نقل الدم تنتهي قبل خروج وقت الصلاة، ويكفيه الوقت المتبقي لأداء الصلاة جميعها في الوقت، فلا حرج أيضا أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت، ويصليها بجميع شروطها وواجباتها.
وأما إن كانت هذه الجلسة لنقل الدم في وقت صلاة لا تجمع مع ما بعدها، كصلاة العصر، ويعلم أن هذه الجلسة العلاجية لا تنتهي إلا بخروج وقت الصلاة، وهو في حاجة إلى هذا العلاج بحيث يضره تأخيره ، فهنا يصلي بحسب حاله، وما يستطيعه؛ لأن شروط صحة الصلاة وأركانها واجبة مع الاستطاعة، وتسقط مع العجز عنها.
قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن/16.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بشيء فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
قال عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى:
” قاعدة: وهي أن من كلف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه … ” انتهى. “قواعد الأحكام” (2 / 7).
ولحديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ رواه البخاري (1117).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” وكل ما عجز عنه العبد من واجبات الصلاة سقط عنه؛ فليس له أن يؤخر الصلاة عن وقتها؛ بل يصلي في الوقت بحسب الإمكان، لكن يجوز له عند أكثر العلماء أن يجمع بين الصلاتين لعذر؛ حتى إنه يجوز الجمع للمريض والمستحاضة وأصحاب الأعذار في أظهر قولي العلماء، كما استحب النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد، فهذا للمعذور، سواء أمكنه أن يجمع بين الصلاتين بطهارة واحدة من غير أن يخرج منه شيء في الصلاة: جاز له الجمع في أظهر قولي العلماء.
وكذلك يجمع المريض بطهارة واحدة إذا كانت الطهارة لكل صلاة تزيد في مرضه.
ولا بد من الصلاة في الوقت: إما بطهارة إن أمكنه، وإلا بالتيمم؛ فإنه يجوز لمن عدم الماء، أو خاف الضرر باستعماله، إما لمرض وإما لشدة البرد: أن يتيمم، وإن كان جنبا؛ ولا قضاء عليه في أظهر قولي العلماء ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (21 / 223).
وقال رحمه الله تعالى:
” يجب على كل مسلم أن يصلي الصلوات الخمس في مواقيتها، وليس لأحد قط أن يؤخر الصلاة عن وقتها لا لعذر ولا لغير عذر.
لكن العذر يبيح له شيئين: يبيح له ترك ما يعجز عنه، ويبيح له الجمع بين الصلاتين.
فما عجز عنه العبد من واجبات الصلاة، سقط عنه. قال الله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ). وقال تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )…
وقد روي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشيء فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ). فالمريض يصلي على حسب حاله. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: ( صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ )؛ وسقط عنه ما يعجز عنه من قيام وقعود أو تكميل الركوع والسجود. ويفعل ما يقدر عليه.
فإن قدر على الطهارة بالماء تطهر، وإذا عجز عن ذلك لعدم الماء، أو خوف الضرر باستعماله، تيمم وصلى، ولا إعادة عليه لما يتركه من القيام والقعود، باتفاق العلماء.
وكذلك لا إعادة إذا صلى بالتيمم باتفاقهم … ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (21 / 428).
وعلى ذلك يقال للمريض:
إن لم يمكنك الصلاة قبل الجلسة، لعدم دخول وقت الصلاة، وكان الوقت يخرج أثناء الجلسة، ولم يمكن جمع الصلاتين، لا تقديما ولا تأخيرا؛ فإنه يصلي بحسب حاله.
لكن عليه أن يتوضأ قبل بداية الجلسة، ثم يصلي بوضوئه ذلك.
فإن لم يمكنه، أو انتقض وضوؤه أثناء الجلسة، ولم يمكنه أن يتوضأ، فإنه من معه يوضئه.
فإن لم يكن عنده من يوضئه، أو لم يمكنه ذلك: تيمم، إن أمكنه.
فإن لم يمكنه أن يتيمم بنفسه، يممه غيره؛ فيضرب غيره على التراب، ويسمح له وجهه وكفيه.
فإن لم يمكن ذلك، صلى بحسب حاله.
وإذا استطعت ستر العورة وجب ذلك عليك ، وإن لم تستطع سقط ذلك للعذر ، وصليت حسب ما تيسر لك .
وهكذا يقال في استقبال القبلة : اجتهد في أن تجعل سريرك باتجاه القبلة قبل الجلسة.
وإلا، فإن أمكنك استقبالها عند الصلاة ، إما بتحولك جهتها أو بتحويل السرير كله ، وجب ذلك ، وإن لم يمكن صليت حسب حالك .
والله أعلم.
تعليق