الحمد لله.
أولا:
من سرق نصابا من حرز بلا شبهة، فعقوبته القطع، كما قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ المائدة/83.
ونصاب السرقة: ثلاثة دراهم، أو ربع دينار أي مثقال، أو ما قيمته كذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَمَا فَوْقَهُ رواه مسلم (1684).
فتقطع يده اليمنى من مفصل الكف. قال في "المبدع" (7/ 452): "بلا خلاف".
وليس الحبس عقوبة للسارق إلا إذا اختل شرط من شروط القطع، فيجوز تعزيره بالحبس.
ثانيا:
لا حرج على من سُرق ماله أن يشكو أمر السرقة إلى الجهات الأمنية في بلده، ولو اعترف السارق وعزم على رد المال؛ فإن الشكوى تفيد في ردع السارق، ووضع عين الشرطة عليه مستقبلا، وعلى فرض أنه سجن بناء على الشكوى، فلا ضير على الشاكي في ذلك.
ولو اكتُفي من السارق برد المال عند انكشاف أمره بحجة أن الحد غير مطبق، لتمادى السراق في بغيهم، ولهذا لا حرج على من اشتكى ، بل وسعى في سجن السارق ؛ زجرا له ولغيره.
والأفضل إذا لم يعرف هذا السارق بالشر، وغلب على الظن انكفافه بعد فضيحته، أن يعفى عنه ولا يرفع أمره للسطات؛ لما في السجن من مفسدة التعرف على أهل الإجرام، وربما أدى سجنه إلى لحوق ضرر بوالديه أو أولاده.
وفي "الموسوعة الفقهية" (24/342) : " أجمع الفقهاء على إجازة الشفاعة بعد السرقة وقبل أن يصل الأمر إلى الحاكم، إذا كان السارق لم يُعرف بشر، سترا له وإعانة على التوبة.
فأما إذا وصل الأمر إلى الحاكم، فالشفاعة فيه حرام، لقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة - حينما شفع في المخزومية التي سرقت -: "أتشفع في حد من حدود الله" [متفق عليه]. وقد روي أن الزبير بن العوام رضي الله عنه لقي رجلا قد أخذ سارقا، فشفع فيه، فقال: لا، حتى أبلغ به الإمام، فقال الزبير: إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع [رواه مالك في الموطأ].
وينطبق نفس الحكم على العفو عن السارق: فإنه يجوز إذا لم يرفع الأمر إلى الحاكم، فإن رفع إليه، لا يقبل فيه العفو. وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "تعافُوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب" [رواه النسائي].
وقال صلى الله عليه وسلم لصفوان - لما تصدق بردائه على سارقه -: "فهلا قبل أن تأتيني به" [رواه الحاكم] " انتهى.
والله أعلم.
تعليق