الخميس 25 جمادى الآخرة 1446 - 26 ديسمبر 2024
العربية

هل نأثم إذا لم نوقر الكبير، ونرحم الصغير

383072

تاريخ النشر : 18-06-2022

المشاهدات : 16462

السؤال

هل نأثم إذا لم نوقر الكبير، ونرحم الصغير، أي هل عدم توقير الكبير وعدم رحمة الصغير حرام، إم إنها فقط من الأخلاق الإسلامية؟ وما المراد بكبيرنا في حديث(ليس منا من لم يوقر كبيرنا)، هل المقصود كبير السن وصاحب العلم، أم الذي أكبر مني ولو بسنة واحدة، حتى لو كان جاهلا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

روى الترمذي (1920) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا . وقال الترمذي رحمه الله تعالى عقبه: "وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ أَيْضًا، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَيْسَ مِنَّا ، يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ سُنَّتِنَا، لَيْسَ مِنْ أَدَبِنَا، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُنْكِرُ هَذَا التَّفْسِيرَ: (لَيْسَ مِنَّا) يَقُولُ: لَيْسَ مِثْلَنَا" انتهى.

ولا شك أن هذه الصيغة تحمل التحذير الشديد، فلا تليق بمجرد الكراهة؛ بل هي أليق بالتحريم.

قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:

" ذكر الأصحاب: أن مقتضى هذه الصيغة وهو قول الشارع عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من قال أو فعل كذا)، مقتضاه التحريم، ومنهم من جعله كبيرة " انتهى من"الآداب الشرعية"(1/ 444).

وقال ابن الجوزي في "المعتصر من مشكل الآثار"(2/283) بعد أن ذكر جملة كبيرة من الأحاديث التي فيها (ليس منا من فعل كذا)، ومنها الحديث السابق، قال:

"لما اختار الله تعالى لنبيه الأمر المحمود، ونفى عنه المذموم، كان من عمل الأمور المحمودة منه، ومن عمل المذمومة ليس منه، كما قال حكاية عن إبراهيم عليه السلام : (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم)، وقال: (فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني)؛ فدل ذلك على أن كل من يعمل على شريعة نبيه الذي عليه اتباعه: فإنه منه ، ومن عمل عملا تمنع منه شريعته، فليس منه، لخروجه عما دعاه إليه، وعما هو عليه إلى ضد ذلك" انتهى.

وقال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (9/287):

"(ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف ، وينه عن المنكر) رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس.

قرْن هذين بذينك: مشعر بوجوبهما، كإيجاب الأخيرين، وإن كانت دلالة الاقتران فيها مقال؛ إلا أنه لا كلام في تأكده". والحديث حسنه السيوطي، وذكر أن الترمذي قال: غريب، وقال القطان: ضعيف فيه ليث بن أبي سليم، وقال الهيثمي: فيه ليث وهو مدلس.

ثم قال الصنعاني: وكأن تحسين المصنف [السيوطي] له: لغيره" انتهى .

وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4938).

والذي في "تحفة الأحوذي" أن الترمذي قال : حسن غريب .

على أنه إذا قيل بوجوب توقير الكبير، وإجلال ذي الشيبة، فالمراد بذلك: وجوب التوقير، بصفة عامة، وألا يخل بهذا الأمر مع الكبار، بالكلية، حتى يبلغ الأمر إلى حد الجفوة، والإساءة، وترك معونته فيما يحتاج إليه، أو تشتد ضرورته له.

جاء في "البناية شرح الهداية" (6/168): " (لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه) ش: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا وترك الرحمة بالصغير وترك التوقير للكبير من أعظم الهجران" انتهى.

لكن ليس كل ما يتناوله اسم التوقير يكون واجبا، بل هو على درجات فمنه ما هو واجب، كتوقير الكبير بعدم الاعتداء عليه بقول أو فعل، ومنه ما هو مستحب كالتنازل له عن بعض الحقوق من باب التوقير والإكرام.

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ الغُلاَمُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ "رواه البخاري (5620)، ومسلم (2030).

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الغلام تقديم نفسه على الأشياخ في هذه الحال.

فليس كل ما يدخل في باب التوقير يكون واجبا.

ثانيا:

الكبير في الحديث الظاهر منه أنه الكبير في السن لأنه مقابل للصغير ورحمته؛ فلا يشترط في الكبير العلم.

لكن النص لم يحدد حدا للكبر الذي يبدأ منه التوقير هل الأكبر بيوم أو بأسبوع أو بشهر أو بسنة ...؟

فمثل هذا يرجع فيه إلى العرف فكل من اعتبر في عرف الناس أنه كبير فإنه يستحق التوقير والإكرام.

راجع للأهمية جواب السؤال رقم: (258517).

ويلحق بالكبير السن كبير القدر، كما في الحديث الذي رواه ابو داود (4843)؛ عن أبي كِنانةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ .

وحسّنه محققو الكتاب، وقالوا:

" إسناده حسن. أبو كنانة القرشي روى عنه ثلاثة، وحسن الذهبي حديثه هذا في "الميزان" (4/ 565)، والحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/ 118، ونقل المناوي في "فيض القدير" (2/ 529) عن الحافظ العراقي أنه حسن إسناده كذلك " انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب