الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل خوفه من قلة الوظائف وسوء الأوضاع الاقتصادية من الالتفات للأسباب؟

384982

تاريخ النشر : 15-08-2022

المشاهدات : 2753

السؤال

كنت قبل أيام أتناقش مع والدي في موضوع الدراسة، وكنت أقول إنني ليتني لم أدخل تخصصي الذي أنا فيه، الآن لأن الأوضاع الإقتصادية في بلادي صعبة، والوظائف قليلة، وكنت أصاب بالإحباط في بعض الأحيان، وقد قرأت بعدها كلاما لابن تيمية يقول فيه: إن الإلتفات إلى الأسباب شرك، فهل ما قلته فيه شرك؟ وإن كان فيه شرك فماذا يجب علي؟

الجواب

الحمد لله.

الالتفات إلى الأسباب معناه: اعتماد القلب على السبب، ورجاؤه، والاستناد إليه ، وهذا نوع من الشرك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومما ينبغي أن يُعلم: ما قاله طائفة من العلماء، قالوا: الالتفات إلى الأسباب: شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً: نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية: قدح في الشرع، وإنما التوكل والرجاء: معنى يتألف من موجب التوحيد، والعقل، والشرع.

وبيان ذلك: أن الالتفات إلى السبب هو اعتماد القلب عليه، ورجاؤه، والاستناد إليه، وليس في المخلوقات ما يستحق هذا؛ لأنه ليس مستقلاًّ، ولا بد له من شركاء، وأضداد، ومع هذا كله: فإن لم يسخِّره مسبِّب الأسباب: لم يسخَّر، وهذا مما يبين أن الله رب كل شيء، ومليكه، وأن السموات، والأرض، وما بينهما، والأفلاك، وما حوته: لها خالق، مدبِّر، غيرها " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/169).

فالوظيفة سبب للرزق، والمسبب هو الله تعالى، ولا قيمة لهذا السبب ما لم يجعله الله مفيدا ومؤثرا.

فإذا تعلق قلب العبد بالوظيفة، وظن أنه لن يأتيه الرزق بدونها، وصارت هي همه وشغله، فهذا التفات للسبب.

وإن اعتقد أن الله هو الرزاق، وأنه تكفل برزق كل دابة على الأرض، وأنه إن لم يحصل على وظيفة، فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وسييسر له رزقه من باب آخر، ربما كان أعظم من الوظيفة، فهذا ينفي التعلق بالسبب.

فهذا التخصص قد لا يجد صاحبه وظيفة حكومية، لكن ربما فتح له باب من العمل الخاص في بلده أو خارج بلده، وربما تغيرت الأوضاع في بلده، بل في عالمه كله، فاحتاج الناس إلى تخصصه، وربما عمل بغير تخصصه ورزق رزقا حسنا، كما هو مشاهد اليوم، فكم من شخص يعمل بغير تخصصه.

ومهما أيقن العبد أن الله متكفل برزقه، وأن رزقه قد كتب قبل أن يخلق، ثم كتب وهو في بطن أمه؛ انزاح عنه الهم، وذهب عنه الكرب، وانشغل بحاضره عن مستقبله.

قال الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ هود/6.

وقال سبحانه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى طه/132.

وقال تعالى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ الذاريات/22-23.

وقال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ الذاريات/56- 58.

وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ...  رواه البخاري (3208).

ثم إن للرزق أسباب أخرى يغفل عنها كثير من الناس، منها صلة الرحم، والدعاء، والصدقة والبذل.  

قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ سبأ/39.

وقال صلى الله عليه وسلم :مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُرواه البخاري (5986)، ومسلم(2557).

وروى مسلم (2984) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ - لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ - فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ .

فطب نفسا، ولا تقلق، وفوض الأمر إلى خالق الأسباب، الرزاق سبحانه.

وإن كان قلبك تعلق بالوظيفة غافلا عن مسببها، فاستغفر الله.

نسأل الله أن يرزقك رزقا حلالا مباركا فيه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب