الحمد لله.
أولا :
حرم الله تعالى على المسلم أن يقتني كلبا إلا كلب صيد أو حراسة للماشية أو الزرع .
روى البخاري (2145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ.
وروى مسلم (2974) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ .
وروى مسلم (2943) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ.
واختلف العلماء في جواز اقتناء الكلب لحراسة البيوت ، والصحيح جواز ذلك ، لأنه إذا جاز اقتناؤه لحراسة الماشية والمزارع ؛ فكذلك حراسة البيوت ومن فيها من أهلها، إذا احتاجوا إلى الكلب في تلك الحراسة.
قال النووي في "شرح مسلم" (10/340): " هَلْ يَجُوز اِقْتِنَاء الْكِلَاب لِحِفْظِ الدُّور وَالدُّرُوب وَنَحْوهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : لا يَجُوز ، لِظَوَاهِر الأَحَادِيث ، فَإِنَّهَا مُصَرِّحَة بِالنَّهْيِ إِلا لِزَرْعٍ أَوْ صَيْد أَوْ مَاشِيَة , وَأَصَحّهمَا : يَجُوز ، قِيَاسًا عَلَى الثَّلاثَة ، عَمَلا بِالْعِلَّةِ الْمَفْهُومَة مِنْ الأَحَادِيث وَهِيَ الْحَاجَة " انتهى.
ثانيا:
من اقتنى كلبا لغير ما سبق من الحراسة أو الصيد ، كالكلاب التي تُتَّخذ للعب أو الزينة أو التفاخر ... أو لغير ذلك من الأسباب ؛ فإنه ينقص من حسنات صاحبها قيراط أو قيراطان كل يوم، كما نصت على ذلك الأحاديث الصحيحة السابقة.
واختلف العلماء في الجمع بين روايتي القيراط والقيراطين، فقيل : المراد قيراط في النهار وقيراط في الليل .
وقيل : يختلف ذلك باختلاف أذى الكلب، فإذا اشتد أذى الكلب فقيراطان، وإذا قل أذاه فقيراط واحد .
وقيل : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر بالقيراط ثم أخبر بعد ذلك بالقيراطين .
وَاخْتُلِفَ فِي الْقِيرَاطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُنَا : هَلْ هُمَا كَالْقِيرَاطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الصَّلَاة عَلَى الْجِنَازَة وَاتِّبَاعهَا ؟
فَقِيلَ: هما سواء.
وَقِيلَ: اللَّذَانِ فِي الْجِنَازَة مِنْ بَاب الْفَضْل، وَاللَّذَانِ هُنَا مِنْ بَاب الْعُقُوبَة؛ وَبَاب الْفَضْل أَوْسَع مِنْ غَيْره .
انظر: "فتح الباري" لابن حجر حديث رقم (2154) .
وينظر أيضا للفائدة: "بدائع الفوائد" (3/1068) .
ويضاف إلى ذلك عقوبة أخرى، وهي عدم دخول الملائكة البيت الذي فيه كلب ، روى البخاري (3225)، ومسلم (2106) عَنْ أبي طلحة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ .
وهذا كله في الكلب الذي لا يجوز اقتناؤه.
أما الكلب الذي يجوز اقتناؤه؛ فقد اختلف العلماء: هل يمنع وجوده من دخول الملائكة، أم لا ؟
قال النووي رحمه الله ، فقال :
" قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَإِنَّمَا لَا تَدْخُل الْمَلَائِكَة بَيْتًا فِيهِ كَلْب أَوْ صُورَة مِمَّا يَحْرُم اِقْتِنَاؤُهُ مِنْ الْكِلَاب وَالصُّوَر.
فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحِرَامٍ ، مِنْ كَلْب الصَّيْد وَالزَّرْع وَالْمَاشِيَة ، وَالصُّورَة الَّتِي تُمْتَهَن فِي الْبِسَاط وَالْوِسَادَة وَغَيْرهمَا : فَلَا يَمْتَنِع دُخُول الْمَلَائِكَة بِسَبَبِهِ . وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْو مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.
وَالْأَظْهَر أَنَّهُ عَامّ فِي كُلّ كَلْب ، وَكُلّ صُورَة ، وَأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْجَمِيع، لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيث ، وَلِأَنَّ الْجرْو الَّذِي كَانَ فِي بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْت السَّرِير، كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْر ظَاهِر ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَم بِهِ ، وَمَعَ هَذَا اِمْتَنَعَ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُخُول الْبَيْت ، وَعَلَّلَ بِالْجرْوِ؛ فَلَوْ كَانَ الْعُذْر فِي وُجُود الصُّورَة وَالْكَلْب لَا يَمْنَعهُمْ، لَمْ يَمْتَنِع جِبْرِيل . وَاللَّه أَعْلَم " . انتهى، من "شرح مسلم" (14/84).
والذي اختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أن ذلك خاص بالكلب المحرم اقتناؤه ، جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/163) :
"من اقتنى كلبا لصيد أو حراسة كان ذلك جائزا له، فلا يمنع الملائكة من دخول البيت.
الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى .
وعلى ذلك؛ فالواجب أن يجعل كلب الحراسة خارج المنزل، وهذا هو معنى كونه "كلب حراسة"؛ أن يمنع دخول غير أهله، وغير المأذون في دخوله البيت، من السراق ونحوهم، وأقل ما هنالك أن ينبه أهل المكان إلى أن ها هنا غريبا يريد الدخول.
فإذا غافل أهل البيت ودخل، أو دخل لأمر ما : فالأقرب أنه دخوله العارض لا يمنع دخول الملائكة، إن شاء الله، وأنه لا ينقص من أجورهم.
ثالثا :
يجب الاحتراز من نجاسة الكلب ، فإن نجاسته مغلظة ، ويعتاد الكلب أن يعلق الأشياء بلسانه، فيكون ذلك منجسا لها ، ولا تطهر إلا بغسلها سبع مرات إحداهن بالتراب .
فإن أمكن ألا يدخل الكلب إلى البيت فهو أولى ، محافظةً على طهارة الأثاث ونحوه .
وكذلك ينبغي أن تنصح أختك بأن لعبها مع الكلب –في الغالب – سيؤدي إلى أن يلعقها الكلب، أو أن سيصيبها لعابه أو رطوبته التي على فمه أو أنفه، وذلك سيؤدي إلى مشقة شديدة في طهارتها عند كل صلاة ، وإن صلت بتلك النجاسة فصلاتها غير صحيحة .
والله أعلم .
تعليق