الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل يجب على المرأة ستر كفيها في الصلاة؟

386370

تاريخ النشر : 02-04-2023

المشاهدات : 11197

السؤال

ما هي أدلة القائلين بجواز كشف الكفين في الصلاة للمرأة، لأنني أرى عددا من العلماء الموثوقين يقولون بالجواز، ولكنني اطلعت مرة على أدلة القائلين بوجوب التغطية فوجدت أنها أقوى، فلماذا ذهب هذا العدد من العلماء الكبار لجواز الكشف، وهل لديكم قول يكشف فيه عن سبب اختياره القول بجواز الكشف؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

اتفق أهل العلم على أن المرأة إذا صلت حيث لا يراها الرجال الأجانب عنها؛ ففي هذه الحال يشرع لها أن تصلي ساترة جميع جسدها ورأسها، باستثناء وجهها فتكشفه.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

"وأجمع أكثر أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تصلي مكشوفة الوجه" انتهى من"الأوسط" (5/69).

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:

"وأما الوجه: فقد ذكر ابن المنذر وغيره: الإجماع على جواز كشفه في الصلاة" انتهى من "فتح الباري" (2/349).

وأما الكفان فأهل العلم مختلفون في جواز كشفهما في الصلاة.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

"واختلفوا فيما عليها أن تغطي في الصلاة:

فقالت طائفة: على المرأة أن تغطي ما سوى كفيها ووجهها، هذا قول الأوزاعي، والشافعي، وأبي ثور...

وقال بعضهم: على المرأة إذا صلت أن تغطي كل شيء منها، قال أحمد بن حنبل: إذا صلت لا يرى منها شيء ولا ظفرها، تغطي كل شيء... وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها" انتهى من "الأوسط" (5/70).

قال المرداوي الحنبلي رحمه الله تعالى:

"وفي الكفين روايتان ...

إحداهما: هما عورة. وهي المذهب. عليه الجمهور. قال في "الفروع": اختارها الأكثر... " انتهى من"الإنصاف" (3/ 207-208).

واستدلوا بما رواه عبد الله بن مسعود، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (1173)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ".

وهذا شامل لجميع جسد المرأة، ويدخل في ذلك: الكفان.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى تعليقا على هذا الحديث:

"وهذا عام يقتضي وجوب ستر جميع بدنها، وترك الوجه للحاجة، ففيما عداه يبقى على الدليل. وقول ابن عباس - الوجه والكفان -. قد خالفه ابن مسعود ، فإنه قال في قوله سبحانه: ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ). قال: الثياب" انتهى من "المغني" (2/ 326-328).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية باسطا دليلهم:

"هما عورة، وهي اختيار الخرقي، وكثير من أصحابنا لقوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قال عبد الله بن مسعود: الزينة الظاهرة: الثياب.

وذلك لأن الزينة في الأصل اسم للباس والحلية، بدليل قوله تعالى: ( خُذُوا زِينَتَكُمْ )، وقوله سبحانه: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ )، وقوله تبارك وتعالى: ( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ )، وإنما يعلم بضرب الرجل الخلخال ونحوه من الحلية واللباس، وقد نهاهن الله عن إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأباح لهن إبداء الزينة الخفية لذوي المحارم، ومعلوم أن الزينة التي تظهر في عموم الأحوال بغير اختيار المرأة هي الثياب، فأما البدن فيمكنها أن تظهره، ويمكنها أن تستره، ونسبة الظهور إلى الزينة دليل على أنها تظهر بغير فعل المرأة، وهذا كله دليل على أن الذي ظهر من الزينة: الثياب" انتهى من"شرح العمدة – الصلاة"(267–268).

وخالفهم جمهور أهل العلم، ورأوا أنه لا حجة لهم في هذا، حتى على القول بأن الآية على ما فسرها ابن مسعود رضي الله عنه بأن الزينة الظاهرة هي ظاهر الثياب فقط؛ لأن الحديث والآية لم يردا في مسألة لباس الصلاة، وإنما في حق المرأة إذا خرجت من بيتها، وظهرت أمام غير محارمها؛ ولذا جاء في نهاية الحديث: (فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ).

وكذا الآية وردت في سياق ما تظهره المرأة أمام الرجال الأجانب عنها.

فقال الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ...) النور/31.

وليس كل ما حرم كشفه للأبصار، حرم كشفه في الصلاة. بدليل أن الوجه حرم كشفه لأبصار الناس، لكن شرع كشفه في الصلاة بالإجماع كما سبق.

وهؤلاء أمهات المؤمنين وفي بيوتهن كان ينزل الوحي، فهن أعلم الناس بلباس المرأة في الصلاة، فلم يذكرن ستر الكفين، وإنما ذكرن اللباس السابغ والخمار.

عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الحَارِثِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ الحَائِضِ إِلَّا بِخِمَارٍ) رواه أبو داود (641 )، والترمذي (377) وقال: "حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ".

وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" صحيح...

وقال الترمذى: حديث حسن.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأظن أنه لخلاف فيه على قتادة. ووافقه الذهبى" انتهى من "إرواء الغليل" (1/ 214–215).

وروى أبو داود (640) وغيره، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا).

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

"فأما (الدرع): فهو ما تلبسه على بدنها.

قال أبو طالب: قيل لأحمد: الدرع: القميص؟ قال: يشبه القميص، لكنه سابغ يغطي رجليها.

وأما (الخمار) : فهو ما تخمر به رأسها" انتهى من "فتح الباري" (2/414).

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"والمشهور أنه موقوف على أم سلمة؛ إلا أنه في حكم المرفوع، لأنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يخفى عليها مثل هذا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهي مبتلاة بهذا الأمر، ولا يجوز أن تفتي بخلاف ما تعلم منه صلى الله عليه وسلم" انتهى من "شرح العمدة – كتاب الصلاة" (2/265).

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

"فكانت أم سلمة تقول: تصلي في الخمار، والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها، وكانت ميمونة تصلي في درع سابغ، وخمار، وفعلت ذلك عائشة، وبه قال عروة بن الزبير، والحسن البصري، وروي ذلك عن ابن عباس، وروينا عن أم حبيبة أنها صلت في درع وإزار...

وممن كان يرى أن المرأة يجزيها أن تصلي في درع وخمار مالك بن أنس، والليث بن سعد، والأوزاعي، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور" انتهى من "الأوسط" (5/ 71–73).

فأم سلمة رضي الله عنها بيّنت طول الثياب، وسكتت عن ستر الثياب للكف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"وفي حديث أمر سلمة أنها تصلي في درع سابغ، ولم تذكر طول الكم بأمر ولا اشتراط، فدل على أنه غير مشترط، وأن الصلاة تجوز معه وان لم يكن سابغا، ولأن الكف لا يجوز أن تغطيه في الإحرام بلباس مصنوع على قدر، فلم يكن من العورة كالوجه، وعكسه القدمان، ولأنها تحتاج إلى كشفه غالبا، فأشبه الوجه، ولأن مباشرة المصلَّى باليدين مسنون كالوجه، لأن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه خفضا ورفعا ، فإذا لم يكن سترهما مكروها، فلا أقل من أن لا يكون واجبا" انتهى من "شرح العمدة – الصلاة" (2/266).

ومما يشير إلى عدم وجوب ستر كل ما تستره المرأة أمام الأجانب؛ أنها أمرت بإدناء الجلباب إذا خرجت، وأما في الصلاة فليس بشرط كما مر في كلام أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"وبالجملة: قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها، وإنما ذلك إذا خرجت. وحينئذ فتصلي في بيتها، وإن رؤي وجهها ويداها وقدماها، كما كن يمشين أولا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن، فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا" انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/115).

فالحاصل؛ أنه لم يأت دليل معتبر بالأمر بستر الكفين في الصلاة، والأصل براءة الذمة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب