الحمد لله.
صفات الله تعالى توقيفية، فلا يوصف إلا بما ثبت وصفه به في الكتاب أو السنة أو الإجماع.
قال ابن العطار في “الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد” ص129: ” والإجماع على أنَّ الصفاتِ توقيفيةٌ” انتهى.
وقال السفاريني رحمه الله: ” قال سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نتجاوز القرآن والحديث. قال شيخ الإسلام ابن تيمية روَّح الله روحه: مذهب السلف أنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل ” انتهى من “لوامع الأنوار البهية” (1/ 24).
فإذا لم تثبت الصفة بدليل، لم يجز إثباتها لله ولو لم تكن صفة نقص، ولا ينفع صاحبها أن ينفي التشبيه؛ لأن إثبات صفة لم ترد: قول على الله بغير علم، وذلك محرم تحريما عظيما.
قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ الأعراف/33.
فلو قال قائل: إن الله له ذراع، أو صدر، لقيل له: هذا باطل؛ لأنه لم يرد.
وأما صفة النقص، كالخوف أو الولد أو الأكل فهذا أبعد وأبعد، فصفة النقص منفية بالإجماع، بل بالعقل أيضا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :” النقص منفي عنه عقلًا، كما هو منفي عنه سمعًا، والعقل يوجب اتصافه سبحانه بصفات الكمال، والنقص هو ما ضادَّ صفات الكمال” انتهى من “شرح الأصبهانية” (412).
وينظر: جواب السؤال رقم: (247961).
فالضابط في إثبات الصفة هو ورودها، وليس نفي التشبيه بحيث نثبت له أي شيء ثم نقول من غير تشبيه أو على ما يليق به!
فنفي التشبيه: قيد في إثبات ما ورد من الصفات، وليس قيدا مطلقا، يدخل تحته كل صفة يتوهما الواهم، أو يقولها القائل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “الضابط في باب الإثبات: أن نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من صفات الكمال، على وجه لا نقص فيه بأي حال من الأحوال؛ لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (النحل: 60). والمثل الأعلى هو الوصف الأكمل الذي لا يماثله شيء.
فصفات الله تعالى كلها صفات كمال، سواء كانت صفات ثبوت، أم صفات نفي.
وقد سبق أن النفي المحض لا يوجد في صفات الله تعالى، وأن المقصود بصفات النفي نفي تلك الصفة لا تصافه بكمال ضدها.
ولهذا لا يصح في ضابط الإثبات أن نعتمد على مجرد الإثبات بلا تشبيه؛ لأنه لو صح ذلك، لجاز أن يثبت المفتري لله سبحانه كل صفة نقص مع نفي التشبيه، فيصفه بالحزن، والبكاء، والجوع، والعطش ونحوها، مما ينزه الله عنه مع نفي التشبيه، فيقول: إن الله يحزن لا كحزن العباد، ويبكي لا كبكائهم، ويجوع لا كجوعهم، ويعطش لا كعطشهم، ويأكل لا كأكلهم، كما أنه يفرح لا كفرحهم، ويضحك لا كضحكهم، ويتكلم لا ككلامهم. ولجاز أيضاً أن يثبت المفتري لله سبحانه أعضاء كثيرة مع نفي التشبيه فيقول: إن لله تعالى كبداً لا كأكباد العباد، وأمعاء لا كأمعائهم، ونحو ذلك مما ينزه الله تعالى عنه، كما أن له وجهاً لا كوجوههم، ويدين لا كأيديهم.
ثم يقول المفتري لمن نفى ذلك وأثبت الفرح، والضحك، والكلام، والوجه، واليدين: أي فرق بين ما نفيت وما أثبت، إذا جعلت مجرد نفي التشبيه كافياً في الإثبات؛ فأنا لم أخرج عن هذا الضابط فإني أثبت ذلك بدون تشبيه.
فإن قال النافي: الفرق هو السمع (أي الدليل من الكتاب والسنة) فما جاء به الدليل أثبته وما لم يجئ به لم أثبته.
قال المفتري: السمع خبر والخبر دليل على المخبر عنه، والدليل لا ينعكس فلا يلزم من عدمه عدم المدلول عليه؛ لأنه قد يثبت بدليل آخر، فما لم يرد به السمع يجوز أن يكون ثابتاً في نفس الأمر وإن لم يرد به السمع، ومن المعلوم أن السمع لم يرد بنفي كل هذه الأمور بأسمائها الخاصة، فلم يرد بنفي الحزن، والبكاء، والجوع، والعطش، ونفي الكبد، والمعدة، والأمعاء، وإذا لم يرد بنفيها جاز أن تكون ثابتة في نفس الأمر، فلا يجوز نفيها بلا دليل.
وبهذا ينقطع النافي لهذه الصفات حيث اعتمد فيما ينفيه على مجرد نفي التشبيه، ويعلم أنه لا يصح الاعتماد عليه، وإنما الاعتماد على ما دل عليه السمع والعقل من وصف الله تعالى بصفات الكمال على وجه لا نقص فيه.
وعلى هذا فكل ما ينافي صفات الكمال الثابتة لله، فالله منزه عنه؛ لأن ثبوت أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه.
وبهذا يمكن دفع ما أثبته هذا المفتري لله تعالى من صفات النقص، فيقال: الحزن، والبكاء، والجوع، والعطش صفات نقص منافية لكماله فتكون منتفية عن الله.
ويقال أيضاً: الأكل، والشرب مستلزم للحاجة والحاجة نقص، وما استلزم النقص فهو نقص.
ويقال أيضاً: الكبد، والمعدة، والأمعاء آلات الأكل والشرب، والمنزه عن الأكل والشرب منزه عن آلات ذلك.
وأما الفرح، والضحك، والغضب، ونحوها: فهي صفات كمال لا نقص فيها، فلا تنتفي عنه. لكنها لا تماثل ما يتصف به المخلوق منها، فإنه سبحانه لا كفء له، ولا سميّ، ولا مِثل، فلا يجوز أن تكون حقيقة ذاته كحقيقة شيء من ذوات المخلوقين، ولا حقيقة شيء من صفاته كحقيقة شيء من صفات المخلوقين؛ لأنه ليس من جنس المخلوقات، لا الملائكة، ولا الآدميين، ولا السماوات، ولا الكواكب، ولا الهواء، ولا الأرض وغير ذلك. بل يعلم أن بُعد حقيقته عن مماثلة شيء من الموجودات، أبعد من سائر الحقائق، لأن الحقيقتين إذا تماثلتا جاز على الواحدة ما يجوز على الأخرى، ووجب لها ما يجب للأخرى، وامتنع عليها ما يمتنع على الأخرى، فيلزم أن يجوز على الخالق الواجب بنفسه ما يجوز على المخلوق المحدث، وأن يثبت لهذا المخلوق ما يثبت للخالق فيكون الشيء الواجد واجباً بنفسه غير واجب بنفسه، موجوداً معدوماً، وهذا جمع بين النقيضين) انتهى من “تقريب التدمرية”، ص 76 وما بعدها.
فحاصل الرد على هؤلاء المفترين أن نقول: صفة النقص منفية عن الله جل جلاله بكل حال.
وصفة الكمال أو ما توهمنا أنه صفة كمال لا تثبت إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع.
والله أعلم.
تعليق