الحمد لله.
أولا:
حكم تخصيص بعض الأولاد بالعطية
يجب على الأب أن يعدل بين أولاده في العطية؛ لما روى البخاري (2587)، ومسلم (1623) عَنْ عَامِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : "أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ : لَا ، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ".
وفي رواية للبخاري أيضا (2650): لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ.
قال في "كشاف القناع" (3/309): " (ويجب على الأب، و) على (الأم وعلى غيرهما) من سائر الأقارب (التعديل بين من يرث بقرابة من ولد وغيره)، كأب وأم وأخ وابنه وعم وابنه (في عطيتهم) ... و (لا) يجب التعديل بينهم (في شيء تافه)؛ لأنه يُتسامح به، فلا يحصل التأثر ... (إلا في نفقة وكسوة فتجب الكفاية) دون التعديل" انتهى.
وعليه؛ فقد أخطأ والدك رحمه الله فيما أعطاك من توكيل في بيع الشقة لنفسك وللغير.
ثانيا:
بطلان الوكالة بالموت
تبطل الوكالة بموت الموكل.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (39/307): " ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة: إلى أن الوكالة تنفسخ بموت الموكِّل أو الوكيل، وتبطل سائر الالتزامات المترتبة عليها من الجانبين.
أما الموكل: فلأن التوكيل إنما قام بإذنه، وهو أهل لذلك، فلما بطلت أهليته بالموت بطل إذنه، وانتقل الحق لغيره من الورثة.
وأما الوكيل: فلأن أهليته للتصرف قد زالت بموته، وليس الوكالة حقا له فتورث عنه" انتهى.
ثالثا:
الواجب إدخال الشقة في التركة، لتقسم القسمة الشرعية، ويقرر الورثة جميعا كيف يتصرفون فيها، ولا يحل لك أن تنفرد ببيعها دون إذنهم؛ لأنه لا ولاية لك عليهم، وتصرّف الإنسان في ملك غيره بغير وكالة محرم.
فإما أن تتنازل رسميا عن الشقة السكنية للورثة كلهم، وتتفق معهم على ما تفعلونه بها، أو لا تتنازل رسميا، وتتفق معهم على الإجراء الأنفع والأيسر للجميع، كبيعها وسداد الدين واقتسام الباقي من الثمن.
رابعا:
يجب سداد ما على والدك من دين قبل تقسيم التركة، فإن لم يوجد في التركة ما يسدد به الدين إلا ببيع الشقة، فإنها تباع ليقضى دينه، ثم يقتسم الورثة الباقي من ثمنها.
ولا يجوز لكم تأخير سداد الديون التي حل أجلها، مع وجود ما يكفي لسدادها من التركة، إلا إذا علم الدائن بالحال، ورضي بذلك.
خامسا:
على فرض سداد الدين من مصدر آخر من التركة، فإن تقسيم الشقة بين الورثة يكون بعدة طرق:
1-فإن كان للمتوفى شقق أخرى، بحيث يكون لكل وارث شقة، أو لكل وارثين شقة، ونحو ذلك، فيتم التقسيم بناء على ذلك.
2-أن يتفق الورثة جميعا على بقاء الشقة ليسكنوا فيها، أو لتؤجر ويقتسموا أجرتها.
3-أن تُقَسَّم بينهم بالمُهايأة الزمانية، فيسكنها كل واحد منهم سنة مثلا. والمقصود بالمهايأة عند الفقهاء، هو: قسمة المنافع بين الشركاء، على جهة التعاقب، والتناوب؛ فكل شريك ينتفع بالعين مدة يتفقون عليها، ثم يَعقُبه في الانتفاع بالعين، الشريك الآخر، كل بحسب حصته من الملك.
وينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (39/147)، "منح الجليل شرح مختصر خليل" (7/248).
4-أن يطلب أحد الورثة نصيبه منها، فيجب بيعها إما لوارث أو ورثة منهم، أو لأجنبي.
قال البهوتي رحمه الله: " ومن دعا شريكه فيها إلى بيع: أُجبر، فإن أبى، باعه الحاكم عليهما، وقسم الثمن بينهما على قدر حصصهما " انتهى من الروض الربع، ص 469
5-أن يتراضى الورثة على قسمة معينة، فلا حرج في ذلك ما داموا بالغين راشدين.
فبادر برد الحق إلى أهله، واحرص على جمع الكلمة وتأليف القلوب، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
تعليق