الأربعاء 22 شوّال 1445 - 1 مايو 2024
العربية

هربت الجدة بحفيدتها الصغيرة المسلمة لأن أباها كافر يريد تغيير دينها، فهل فعلها صحيح؟

390052

تاريخ النشر : 01-01-2023

المشاهدات : 1377

السؤال

تزوجت امرأة تعيش في الغرب غير مسلمة، وبعد 10 سنوات أسلمت، والحمد لله تعالى، كانت لديها ابنة قبل أن أتزوجها، ابنة زوجتى أنجبت طفلة، وبعد ذلك ماتت والطفلة عمرها سبعة شهور، وقمنا بتربيتها أنا وزوجتي لمدة 6 سنوات، علمناها الإسلام، وأدخلناها مدرسة إسلامية، بعد أن أسلمت زوجتى قام أبو الطفلة برفع قضية حضانة ضد زوجتى، وهو غير مسلم، مع العلم أنه لم ينفق عليها، وتركها معنا؛ ليوفر مصاريفها، وليكون غير مسؤول عنها، وكسب القضية، فقمت أنا وزوجتي بترك كندا دون علم الأب، وضد رغبته هربا؛ حتى لا نفقد الطفلة لأنه أصبح الحاضن لها، وبدأ فى محاولة تغيير تعاليم الإسلام لدى الطفلة، ويجبرها على أفكار الإلحاد، وأكل لحم الخنزير، وغيره من التصرفات، وكان يرتب لعدم رؤيتنا لها تماما، وهى الآن عمرها ثمان سنوات، وكانت وصية أم الطفلة قبل موتها أن لاندع أباها يربيها؛ لأنه إنسان غير حسن الخلق، ويعانى من العديد من المشاكل النفسية. سؤال: هل مافعلناه خير أم إننا على خطأ؟ هل تعتبر الجدة حاضنة؟ فالجدة مسلمة، والأب غير مسلم، لا يعترف بوجود إله، وأم الطفلة كانت غير مسلمة، والطفلة أنشأت على الإسلام.

ملخص الجواب

 ما فعلته الجدة بالهرب بحفيدتها، خوفا عليها من الكفر، وفساد الدين: أمر محمود، بل هو واجب عليها، ما أمكنها ذلك. نسأل الله أن يشكر لها، وأن يعينها على حضانة الطفلة وتربيتها.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا كان الأمر كما ذكرت من إسلام الفتاة، وكفر والدها، وأنه إذا أخذها رباها على الكفر، فقد أحسنتم فيما صنعتم.

والصبي يصح إسلامه عند الجمهور. وعليه فيحرم تمكين الأب من حمله على الردة.

قال ابن قدامة رحمه الله: " .. الصبي يصح إسلامه في الجملة. وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه وإسحاق وابن أبي شيبة وأبو أيوب.

وقال الشافعي وزفر: لا يصح اسلامه حتى يبلغ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ) حديث حسن..

ولنا: عموم قوله عليه السلام: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وقوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله) وقال عليه السلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا). وهذه الأخبار يدخل في عمومها الصبي.

ولأن الاسلام عبادة محضة، فصحت من الصبي العاقل، كالصلاة والحج.

ولأن الله تعالى دعا عباده الى دار السلام، وجعل طريقها الإسلام، وجعل من لم يجب دعوته في الجحيم والعذاب الأليم؛ فلا يجوز منع الصبي من إجابة دعوة الله مع إجابته إليها وسلوكه طريقها، ولا إلزامه بعذاب الله والحكم عليه بالنار وسد طريق النجاة عليه مع هربه منها.

ولأن ما ذكرناه إجماع؛ فإن عليا رضي الله عنه أسلم صبيا، وقال:

سبقتكمُ إلى الاسلام طراً ... صبيا، ما بلغت أوان حلم

ولهذا قيل: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن الصبيان علي، ومن النساء خديجة، ومن العبيد بلال. وقال عروة: أسلم علي والزبير وهما ابنا ثمان سنين، وبايع النبي صلى االله عليه وسلم ابن الزبير لسبع أو ثمان سنين، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم على أحد إسلامه من صغير ولا كبير.

فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: [رفع القلم عن ثلاث] فلا حجة لهم فيه؛ فإن هذا يقتضي ألّا يُكتب عليه ذلك، والإسلام يُكتب له لا عليه، ويسعد به في الدنيا والآخرة، فهو كالصلاة تصح منه وتكتب له، وان لم تجب عليه، وكذلك غيرها من العبادات المحضة...

إذا ثبت هذا؛ فان الخِرقِيَّ اشترط لصحة إسلامه شرطين: أحدهما أن يكون له عشر سنين، لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بضربه على الصلاة لعشر.

والثاني: أن يعقل الإسلام . ومعناه : أن يعلم أن الله تعالى ربه لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وهذا لا خلاف في اشتراطه، فإن الطفل الذي لا يعقل لا يتحقق منه اعتقاد الإسلام، وإنما كلامه لقلقة بلسانه، لا يدل على شيء.

وأما اشتراط العشر: فإن أكثر المصححين لإسلامه لم يشترطوا ذلك، ولم يحدوا له حدا من السنين، وحكاه ابن المنذر عن أحمد؛ لأن المقصود متى ما حصل، لا حاجة إلى زيادة عليه. وروي عن أحمد: إذا كان ابن سبع سنين فإسلامه إسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروهم بالصلاة لسبع)؛ فدل على أن ذلك حد لأمرهم، وصحة عباداتهم؛ فيكون حدا لصحة إسلامهم" انتهى من"المغني"(9/15).

ثانيا:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن أحق الناس بالحضانة بعد الأم، إذا ماتت أو لم تكن أهلا للحضانة: أمهاتها المدليات بإناث؛ القربى فالقربى، أي جدة الطفل لأمه، وإن علت ، وذهب بعضهم إلى أن الأب هو الأحق بالحضانة بعد الأم.

وينظر : "المغني" (8/197)، "الموسوعة الفقهية" (15/122).

وقد أوصت لك الأم بحضانة ابنتها وعدم ردها إلى أبيها ، وقد ذكر العلماء ترتيب من يستحقون الحضانة ، وذكروا منهم الوصي ، إلا أنه بعد الأب لا قبله ، قال خليل في مختصره : "والحضانة للأم ... ثم للأب ... ثم الوصي" انتهى من "منح الجليل شرح مختصر خليل" (4 /267-268).

وتقديم الأب على الوصي إنما هو إذا كان ذلك من مصلحة الطفل المحضون، لأن المقصود من الحضانة حفظ المحضون والقيام بمصالحه، فلا يجوز أن يعطى لمن يضره، وإبقاء الطفل الصغير عند كافر من أعظم الضرر، وإذا كانت الحضانة لا تثبت لفاسق يخشى منه الإضرار بالمحضون، وتنشئته على الفسق، فالكافر أولى بذلك.

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني"(8/237):

"بَاب مَنْ أَحَقُّ بِكَفَالَةِ الطِّفْلِ.

كَفَالَةُ الطِّفْلِ وَحَضَانَتُهُ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَهْلِكُ بِتَرْكِهِ، فَيَجِبُ حِفْظُهُ عَنْ الْهَلَاكِ...

وَلَا تَثْبُتُ لَكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَسَوَّارٌ، وَالْعَنْبَرِيُّ... لأَنَّهَا وِلَايَةٌ، فَلَا تَثْبُتُ لَكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْمَالِ، وَلِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَثْبُتْ لِلْفَاسِقِ، فَالْكَافِرُ أَوْلَى، فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ، فَإِنَّهُ يَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، وَيُخْرِجُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ بِتَعْلِيمِهِ الْكُفْرَ، وَتَزْيِينِهِ لَهُ، وَتَرْبِيَتِهِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا أَعْظَمُ الضَّرَرِ وَالْحَضَانَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ لَحَظِّ الْوَلَدِ، فَلَا تُشْرَعُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِيهِ هَلَاكُهُ وَهَلَاكُ دِينِهِ" انتهى.

والأصل ألا يمنع الأب ولو كان كافرا من رؤية ابنته، لكن إذا كان تمكينه من ذلك يؤدي إلى تغيير دينها، قدمت مصلحة حفظ الدين، إلى أن تكبر ولا يكون له سلطان عليها، فينبغي حينئذ بره وزيارته وصلته ودعوته للإسلام.

والحاصل:

أن ما فعلته الجدة بالهرب بحفيدتها، خوفا عليها من الكفر، وفساد الدين: أمر محمود، بل هو واجب عليها، ما أمكنها ذلك. نسأل الله أن يشكر لها، وأن يعينها على حضانة الطفلة وتربيتها.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب