الحمد لله.
أولا:
هذا الخبر ذكره عبد الملك بن حبيب في كتابه المطبوع باسم "أدب النساء" (ص 235)، قال:
" وعن عطاء الخراساني، عن عائشة، أنها قالت يوماً للنساء وقد اجتمعن عندها - ثم ذكر خبرا طويلا وفي آخره:
"الرجال قوامون على النساء. فاحبسوا نساءكم ولا تلوموا إلا أنفسكم، وعلموهن القرآن، وامروهن بالتسبيح طرفي النهار، ولا تدعوهن إلى الخروج من بيوتهن" انتهى.
وهذا الخبر ضعيف الإسناد:
فمؤلف الكتاب رحمه الله تعالى مع إمامته في العلم، فهو مضعّف في باب رواية الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" عبد الملك بن حبيب القرطبي، أحد الائمة ومصنف الواضحة، كثير الوهم، صحفي.
وكان ابن حزم يقول: ليس بثقة.
وقال الحافظ أبو بكر ابن سيد الناس: في تاريخ أحمد بن سعيد الصدفى توهية عبد الملك بن حبيب، وأنه صحفي لا يدري الحديث.
قال أبو بكر: وضعّفه غير واحد...
وقال ابن حزم: روايته ساقطة مطرحة... "انتهى من "ميزان الاعتدال"(2/652).
ثم الإسناد منقطع فهو لم يدرك عطاء الخراساني، وعطاء روايته عن الصحابة مرسلة.
فالحاصل؛ أن هذا الخبر ليس له إسناد قائم.
ثانيا:
قرار المرأة في بيتها، أمر مقرر في أدب الشرع؛ فلا تخرج منه إلا لحاجة تدعوها لذلك، فليست المسلمة: ولاَّجة خرَّاجة، كلما دعتها نفسها للخروج، أو الفرجة أو التسلي. قال الله تعالى:
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب/33.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
"وقوله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) أي: الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة" انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/409).
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ لَيْلًا، فَرَآهَا عُمَرُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: إِنَّكِ وَاللَّهِ يَا سَوْدَةُ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَرَجَعَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، وَهُوَ فِي حُجْرَتِي يَتَعَشَّى، وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَعَرْقًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَرُفِعَ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: (قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ) رواه البخاري(5237)، ومسلم (2170).
قال ابن بطال رحمه الله تعالى:
" في هذا الحديث دليل على جواز خروج النساء لكل ما أبيح لهن الخروج فيه من زيارة الآباء والأمهات وذوى المحارم والقرابات، وغير ذلك مما بهن الحاجة إليه، وذلك فى حكم خروجهن إلى المساجد" انتهى من "شرح صحيح البخاري" (7/364).
ثالثا:
ما جاء في هذا الكلام المروي: " وعلموهن القرآن، وامروهن بالتسبيح طرفي النهار "، معنى صحيح مقرر؛ يدل عليه قول الله تعالى:
(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ، إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب/34 –35.
والرجل مأمور أن يحث زوجته على هذه الأعمال الفاضلة؛ لأنها من رعيته وهو مسئول عنها.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ فهو رَاعٍ عليهم وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ...) رواه البخاري (2554)، ومسلم (1829).
فعليه أن يحطها بنصحه ويحثها على طريق النجاة يوم القيامة.
قال الله تعالى:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
والله أعلم.
تعليق