الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

نذر نذرا وتردد، فقيد كلامه بعد ثوان، فهل ينفعه التقييد؟

393972

تاريخ النشر : 09-04-2023

المشاهدات : 2075

السؤال

قرأت تفسير آية: (ومنهم من عاهد الله ...) فخفت جدا، فأتاني خاطر أني لابد أن أقدم شيئا لله تعالى حتى يزول النفاق من قلبي، فقلت: نذرٌ علي أن أعمل في مجال تعليم القرآن للأجانب دون مقابل مادي، ولم أكن عملت فيه بعد، قلتها بتردد وتمتمة، ثم تفكرت قليلا لمدة خمس ثوان فوجدت الأمر صعبا علي، فاستأنفت قائلا لمدة شهرين، لكني لا أدري هل قلت هذا بنية الاستئناف، أم بنية التعديل على الكلام السابق، فقد كنت متوترا جدا كمن قال كلاما ثم فكر فيه بسرعة، فأعقبه بكلام آخر مكمل لكلامه الأول، لكن غالبا لم أكن قد جزمت. السؤال: هل إذا تقاضيت أجرا على هذا العمل بعد انتهاء أول شهرين يكون حلالا لي أم لا؟

الجواب

الحمد لله.

قولك: "نذرٌ علي أن أعمل في مجال تعليم القرآن للأجانب دون مقابل مادي" ثم تفكرك قليلا -خمس ثوان- وقولك: "مدة شهرين"، يعد كلاما متصلا على الراجح، ولا يلزمك التعليم المجاني إلا مدة شهرين.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: ولا يصح استثناء لم يتصل عادة : هذا هو الشرط الثالث من شروط الاستثناء، أن يكون الاستثناء متصلاً، بحسب العادة والعرف، بالمستثنى منه، بحيث لا يفصل بينه وبينه كلام.

فإن فصل بينهما بكلام، أو سكوت يمكنه الكلام فيه، فإن الاستثناء لا يصح.

فلو قال: أنت طالق ثلاثاً، وهو ناوٍ أن يستثني، ثم قال: انتبهي، ثم قال: إلا واحدة، فلا يصح؛ لأنه فصل بين الاستثناء والمستثنى منه.

ولو قال: أنت طالق ثلاثاً، ثم سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه، ثم قال: إلا واحدة؛ فلا يصح؛ لأنه لا بد من الاتصال.

ولو قال: نسائي الأربع طوالق، ثم أخذه عطاس، وبقي في العطاس خمس دقائق، ثم قال: إلا فلانة يصح؛ لأنه لا يمكن أن يتكلم.

وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال باشتراطه، ومنهم من لم يقل باشتراطه، والصحيح: أنه ما دام الكلام واحداً؛ فإنه لا يشترط.

والدليل على ذلك: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما فتح مكة قام في ذلك اليوم، وخطب الناس، وبَيَّن حرمة مكة، وقال: إنه لا يختلى خَلاها، ولا يعضد شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ثم ذكر كلاماً. فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله؟ فقال: إلا الإذخر ، مع أن الكلام غير متصل.

وكذلك سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحد منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقال له المَلَك: قل: إن شاء الله، فلم يقل، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لو قال: إن شاء الله لم يحنث، ولكان دركاً لحاجته، وفي لفظ: لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعين، مع أنه منفصل.

فالصواب: أنه ما دام الكلام واحداً، فإنه يصح الاستثناء، وهذا دائماً يحدث، يقول الإنسان: كلكن طوالق، ثم يندم، ويقول: إلا فلانة بعد أن سكت.

وكذلك لو قال: أنت طالق ثلاثاً، ثم سكت، ثم ندم وقال: إلا واحدة، فالصواب: أنه يصح؛ لأن الأدلة واضحة.

وأما مقدار الفصل في السكوت: فهو ما جرى به العرف" انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 108).

وقال في (15/143): " أما اشتراط الاتصال، فإن الاتصال ليس كما قالوا، بل الاتصال أن يُنسب آخرُ الكلام إلى أوله عرفاً، فإذا كان يُنسب آخر الكلام إلى أوله عرفاً، فإنه يصح الاستثناء، وقد خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح، وذكر مكة وحرمتها، وأنه لا يختلى خَلاها، ولا يُحش حشيشها، وذكر كلاماً، ثم بعد ذلك قال العباس رضي الله عنه: إلاّ الإذخر يا رسول الله، فإنه لبيوتهم وقبورهم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: إلا الإذخر.

وهذا بعد كلام منفصل عن الأول انفصالاً بغير ضرورة، وهو صلّى الله عليه وسلّم لم ينوِ الاستثناء، فدل ذلك على أنه ليس بشرط، وأن الرجل لو حلف عليك أن تفعل شيئاً، فقلت له: قل: إن شاء الله، فقالها، فإنه ينفعه الاستثناء على القول الراجح، ولا ينفعه على المذهب" انتهى.

وعليه؛ فيحل لك أخذ أجر بعد الشهرين الأولين.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب