الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

لماذا لم نقصر المحرمات من الأطعمة على المذكور في القرآن كما هو ظاهر الآية؟

394565

تاريخ النشر : 01-04-2023

المشاهدات : 3992

السؤال

تذكر هذه الآية (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) أن الله قد حرّم ما سبق فقط، لكن من خلال السُّنة، نعلم أن أشياء أخرى قد حُرِّمت مثل الحيوانات ذات الأنياب، إلخ. كيف يمكننا أن نوفّق بين هذا؟ إنما أداة حصر

الجواب

الحمد لله.

ورد في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع حصر المحرمات من المطعومات في أشياء محددة، ففي سورة الأنعام ، وهي سورة مكية : (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام/145.

وفي سورة النحل وقد نزلت بمكة بعد سورة الأنعام : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النحل/115.

وفي سورة البقرة ، وقد نزلت بالمدينة : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة/173.

وقد ثبت بالسنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أشياء أخرى .

منها : الحمر الأهلية .

روى البخاري (5520) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) .

ومنها : كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير .

لما روى مسلم (1934) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ) .

وروى مسلم عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ قَالَ : (نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السَّبُعِ) .

وروى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (كُلُّ ذِى نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ) .

ومنها : البغال .

روى أبو داود (3789) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن البغال والحمير ، ولم ينهنا عن الخيل) . صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن أبي داود " .

فاختلفت اجتهادات العلماء في التوفيق بين النصوص .

فالمشهور عند المالكية –وهو رواية عن مالك- حصر المحرمات فيما ورد في القرآن ، وما عداها فإنه مباح ، أو مكروه .

وقد روي حصر المحرمات بما ذكر في الآية عن ابن عباس وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم. وروي عنهم خلافه . انظر : تفسير القرطبي (9/80) .

ولكن هذا التوفيق قد يقبل فيما لم يرد فيه إلا النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أما ما صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه حرام ، فلا يقبل فيه ذلك .

ولذلك قال ابن رشد رحمه الله : "الحديث الأول [حديث أبي ثعلبة] قد يمكن الجمع بينه وبين الآية: بأن يحمل النهي المذكور فيه على الكراهية.

وأما حديث أبي هريرة فليس يمكن الجمع بينه وبين الآية؛ إلا أن يعتقد أنه ناسخ للآية عند من رأى أن الزيادة نسخ، وأن القرآن ينسخ بالسنة المتواترة.

فمن جمع بين حديث أبي ثعلبة والآية حمل حديث لحوم السباع على الكراهية.

ومن رأى أن حديث أبي هريرة يتضمن زيادة على ما في الآية حرم لحوم السباع" انتهى، بداية المجتهد (1/575) .

وأما جمهور العلماء –وقد وافقهم الإمام مالك في رواية عنه ، بل قال القرطبي : إن هذا هو الصحيح من مذهبه- فقد ذهبوا إلى أن كل ما ثبت تحريمه بالسنة فهو مقبول ، وليس معارضا للقرآن الكريم – على اختلاف بينهم في بعض التفاصيل . 

فمن العلماء من قال : إن ما ورد من المحرمات بعد ذلك ، هو رافع للمفهوم من الآيات ، من أن ما سوى هذه الأربع حلال .

قال ابن كثير رحمه الله :

"قيل: معناه: لا أجد شيئًا مما حرمتم حرامًا سوى هذه. وقيل: معناه: لا أجد من الحيوانات شيئًا حرامًا سوى هذه.

فعلى هذا: يكون ما ورد من التحريمات بعد هذا في سورة "المائدة"، وفي الأحاديث الواردة، رافعًا لمفهوم هذه الآية.

ومن الناس من يسمي ذلك نسخًا، والأكثرون من المتأخرين لا يسمونه نسخًا؛ لأنه من باب رفع مباح الأصل، والله أعلم"انتهى، تفسير ابن كثير (2/248) .

ومنهم من قال : إن  الحصر في الآيات المراد به وقت نزولها ، أي : وقت نزول هذه الآيات لم يكن هناك شيء من المحرمات إلا هذه الأربعة ، ثم حرم الله تعالى بعد ذلك أشياء أخرى ، ذكر بعضها في القرآن الكريم ، كالخمر ، والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ، وما لم يذكر اسم الله عليه ، وذكر بعضها الرسول صلى الله عليه وسلم ، كالحمر الأهلية ، وكل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير .

قال القرطبي رحمه الله :

"وقد اختلف العلماء في حكم هذه الآية وتأويلها على أقوال: الأول - ما أشرنا إليه من أن هذه الآية مكية، وكل محرم حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو جاء في الكتاب: مضموم إليها؛ فهو زيادة حكم من الله عز وجل على لسان نبيه عليه السلام.

وعلى هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر، والفقه والأثر...

وقد قيل: إنها منسوخة بقوله عليه السلام: (أكل كل ذي ناب من السباع حرام) أخرجه مالك، وهو حديث صحيح...

وقيل: أي: لا أجد فيما أوحي إلي .. في هذه الحال، حال الوحي ووقت نزوله، ثم لا يمتنع حدوث وحي بعد ذلك بتحريم أشياء أخر...

قال أبو عمر: ويلزم على قول من قال: " لا محرم إلا ما فيها ": ألا يحرم ما لم يذكر اسم الله عليه عمدا، ويستحل الخمر المحرمة عند جماعة المسلمين.

وفي إجماع المسلمين على تحريم خمر العنب دليل واضح على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجد فيما أوحي إليه محرما غير ما في سورة " الأنعام "، مما قد نزل بعدها من القرآن.

ثم قال القرطبي :

والصحيح في هذا الباب ما بدأنا بذكره، وأن ما ورد من المحرمات بعد الآية مضموم إليها، معطوف عليها...

والذي يدل على صحة هذا التأويل: الإجماع على تحريم العذرة والبول والحشرات المستقذرة والخمر، مما ليس مذكورا في هذه الآية" انتهى، تفسير القرطبي (9/80- 86) .

وقال الشنقيطي رحمه الله :

" اعلم أولاً : أن دعوى أنه لا يحرم مطعوم غير الأربعة المذكورة في هذه الآية باطلة بإجماع المسلمين ، لإجماع جميع المسلمين ، ودلالة الكتاب والسنة على تحريم الخمر ، فهو دليل قاطع على تحريم غير الأربعة" .

ثم ذكر أن أكثر العلماء –كما عزاه ابن كثير- يرون أن زيادة تحريم أشياء على هذا النص ليس نسخا ، ثم قال :

"وكونه نسخاً أظهر عندي ، لأن الحصر في الآية يفهم منه إباحة ما سوى الأربعة، شرعاً ، فتكون إباحة شرعية لدلالة القرآن عليها ، ورفع الإباحة الشرعية نسخ بلا خلاف ...

فالذي يظهر رجحانه بالدليل: هو ما ذهب إليه الجمهور؛ من أن كل ما ثبت تحريمه بطريق صحيحة، من كتاب أو سنة: فهو حرام ، ويزاد على الأربعة المذكورة في الآيات ، ولا يكون في ذلك أي مناقضة للقرآن ، لأن المحرمات المزيدة عليها حرمت بعدها" انتهى، "أضواء البيان" (2/221- 224) .

والحاصل :

أنه قد ثبت بالنص القرآني والإجماع: تحريم أشياء أخرى غير المذكورات في الآية ، كالخمر ، وهذا يدل على أن الحصر في الآيات لا يراد به أنه لا حرام إلا هذه الأربعة فقط ، وأن هذا الحصر لم يكن شريعة مستمرة إلى يوم القيامة ، بل يراد به أن وقت نزول الآيات لم يكن شيء محرما إلا هذه الأربعة فقط .

وسواء قلنا : إن إضافة محرمات أخرى نسخ ، أو ليس نسخا ، فالخلاف لفظي ، لا يترتب عليه عمل هنا؛ فإن كل ما ثبت تحريمه بنص كتاب أو سنة فهو مضموم إلى هذه الأربعة المذكورة في الآيات الكريمات .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب