الثلاثاء 23 صفر 1446 - 27 اغسطس 2024
العربية

هل يجوز جعل عصمة الطلاق بيد المرأة؟

394729

تاريخ النشر : 09-04-2023

المشاهدات : 2087

السؤال

أعطاني زوجي عصمة الطلاق (التفويض) أثناء عقد زواجنا مع بعض الشروط، وأعطاني العصمة مرة أخرى قبل بضعة أشهر من خلال رسالة، لكن لا أريد هذه العصمة بعد الآن، وأريد أن أعيدها له، فكيف أعيد هذه العصمة له؟ وهل من المقبول أن أقول فقط إنني سأعيد له هذه العصمة، ومن الآن فصاعدًا ليس لديّ أيّ عصمة للطلاق؟ وهل ستختفي عصمة الطلاق تمامًا منّي، أم أيضًا يجب عليّ أن إجراء عقد الزواج مرة أخرى؟ أريد أن أعيد له العصمة تمامًا حتى لا يمكن أن يتسبّب أيّا من كلامي وأفعالي في الطلاق؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

إذا اشترطت المرأة عند عقد النكاح أن يكون الطلاق بيدها، فإن هذا الشرط باطل عند جماهير العلماء، ثم منهم من يبطل العقد، ومنهم من يصححه ويلغي الشرط.

والصحيح أن العقد صحيح، ويلغى الشرط.

ينظر: "الحاوي الكبير" (9/506)، "المغني" (9/483)، "الإنصاف" (20/398).

واستدلوا على بطلان هذا الشرط بأن الله تعالى جعل الطلاق بيد الرجل في آيات كثيرة من القرآن الكريم، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) الأحزاب/49، وغيرها من الآيات.

ولأن الله تعالى جعل القوامة للرجل على المرأة، قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34.

وهذا يقتضي أن يكون الطلاق بيد الرجل، لأنه لو كان الطلاق بيد المرأة لكانت القوامة لها على الرجل، وهذا خلاف ما شرعه الله تعالى، وخلاف الفطرة الإنسانية.

وأيضا: فإن الرجل أقدر على التحكم في انفعالاته، بخلاف المرأة التي تتحكم بها عاطفتها كثيرا، فلو كان الطلاق بيدها، لأدى ذلك إلى كثرة الطلاق، وتفرق الزوجين، وتشتت الأولاد، وهو ما يكرهه الله تعالى.

قال نجمُ الدين الغزي في كتابه "حسنُ التنبّه لما ورد في التشبّه" (10/169): "ومِن ثَمَّ كان ‌الطلاقُ والظِّهارُ والإيلاءُ مِن قِبَل الرجلِ دون المرأة، وكانت الرجعةُ للرجل دون المرأة، فلو دخل الرجلُ تحت طاعةِ المرأة فقد عَكس الحكمةَ وخالف الشّريعة" انتهى.

وعند المالكية يبطلون العقد بهذا الشرط إن كان قبل الدخول، فإن تم الدخول حكموا بصحة النكاح وأبطلوا الشرط.

ففي "النوادر والزيادات" (4/550) لابن أبي زيد القيرواني: "مَن شرط لامرأته في العقدِ أنَّ ‌الطلاقَ ‌بيدِها، وأنّ الجماعَ بيدِها: فالنكاحُ يُفسخ قبل البِناء، ويَثبت بعده ويَبطل الشرط، ولها صَداقُ المِثل" انتهى.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم جعل العصمة بيد المرأة:

"الصواب في هذا أن هذا شرط غير صحيح؛ لأنه خلاف ما شرع الله، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)، فالشروط التي تخالف شرع الله ليست صحيحة، وكونه يشير لها أن الطلاق بيدها هذا بخلاف ما شرع الله، الطلاق بيد الزوج، وهذا يسبب فساداً كثيراً؛ لأنها قل أن تصبر على الزوج، بل عند أقل شيء فيصدر منها الطلاق، فالحاصل أن هذا لا يصح، وهذا الشرط باطل" انتهى .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "وأما جعل الزوج العصمة بيد الزوجة بشرط في العقد متى شاءت طلقت نفسها: فهذا الشرط باطل؛ لكونه يخالف مقتضى العقد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط   وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الشيخ عبد الله بن قعود ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/10).

ثانيا:

أما الحنفية فإنهم يصححون الشرط والعقد بشرط أن تبدأ المرأة به، فإن بدأ الرجل فإنهم يصححون العقد ويبطلون الشرط.

فقد نصوا على أنَّ المرأة إذا ابتدأت وقالت: زوَّجتُ نفسي منك على أنَّ أمري بيَدي أُطَلِّقُ نفسي كلَّما شِئتُ، فقال الزَّوجُ: قَبِلْتُ؛ جاز النِّكاحُ، ويكونُ أمرُها بيَدِها. أمَّا لو بدأ الزَّوجُ فقال: تزوَّجتُك على أنَّ أمرَكِ بيَدِكِ، فإنَّه يَصِحُّ النِّكاحُ عندهم ويَبطُلُ الشَّرطُ.

يُنظر: "حاشية ابن عابدين" (3/363).

ونظرا لأن مذهب أبي حنيفة رحمه الله هو المنتشر في بلادكم، فإن كان الشرط وقع على الصفة التي يجيزها الحنفية، وهي أن تبدأ المرأة بالكلام، فلا مانع حينئذ من الحكم بصحة الشرط ، أما إذا كان الذي ابتدأ الكلام هو الرجل، فإن هذا الشرط يكون باطلا عند عامة العلماء.

وإذا كان الشرط باطلا فلا تحتاجين أن تردي العصمة إلى الزوج، لأنها لم تثبت لك.

ثالثا:

أما إعطاؤك العصمة بعد عقد النكاح، فهذا توكيل لك في الطلاق، وهو صحيح عند أكثر العلماء، غير أن بعضهم يجعله خاصا بالمجلس الذي حصل فيه التوكيل، فإذا انتهى المجلس ولم تطلق نفسها سقط حقها في الطلاق بانتهاء وقت الوكالة، وبعضهم يجعله مستمرا حتى يبطله الزوج، أو تفسخ هي الوكالة.

قال ابن قدامة رحمه الله:

" وَمَتَى جَعَلَ أَمَرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا، فَهُوَ بِيَدِهَا أَبَدًا، لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ.

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي: هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَا طَلَاقَ لَهَا بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ ...

وَلَنَا، قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَجُلٍ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا، قَالَ: هُوَ لَهَا حَتَّى تنكل.

وَلَا نَعْرِفُ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، فَيَكُونُ إجْمَاعًا.

وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَوْكِيلٍ فِي الطَّلَاقِ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي، كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لِأَجْنَبِيٍّ ...

فَإِنْ رَجَعَ الزَّوْجُ فِيمَا جَعَلَ إلَيْهَا، أَوْ قَالَ : فَسَخْت مَا جَعَلْت إلَيْك بَطَلَ.

وَبِذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ" انتهى من "المغني" (10/381).

رابعا:

إذا تم عقد النكاح بشرط أن تكون العصمة للمرأة، وصححنا ذلك الشرط ، كما هو مذهب أبي حنيفة إذا بدأت به المرأة، أو تمت الوكالة بعد عقد النكاح، فإذا أرادت المرأة أن تلغي حقها في الطلاق، فإنها تسقط حقها من الشرط، وتفسخ الوكالة، فتخبر زوجها بأنها لم يعد لها حق في إيقاع الطلاق، وبهذا يسقط حقها، ولا يكون بإمكانها إيقاع الطلاق.

ويدل لذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي ذكره ابن قدامة فيما سبق: (... حتى تنكل) أي: حتى ترجع في الوكالة وترفضها.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب