الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل الدرهم وحدة نقدية، أم وحدة وزن؟

395870

تاريخ النشر : 08-04-2023

المشاهدات : 10370

السؤال

ماذا كان يعني الدرهم في زمن النبي؟ هل استخدموها كقطع نقدية، كما في خلافة عمر أم كانت وحدة وزن؟

ملخص الجواب

الدرهم وحدة نقدية مضروبة من معدن الفضة، وكانت تضبط أوزانه ضبطا دقيقا بمقياس الحبة والشعيرة؛ لأجل ذلك كله صلحت الدراهم لأن تكون وحدة من وحدات الأوزان.

الجواب

الحمد لله.

كلمة "الدرهم" أصلها أعجمي ثم عربت.

قال ابن منظور رحمه الله تعالى:

"والدِّرْهَمُ والدِّرْهِمُ: لغتان، فارسيّ مُعَرَّبٌ مُلْحَق ببناء كلامهم، فدِرْهَمٌ كهِجْرَعٍ، ودِرْهِمٌ، بِكَسْرِ الْهَاءِ، كحِفْرِدٍ" انتهى من "لسان العرب" (12/199).

وهو وحدة نقدية مضروبة من معدن الفضة.

قال أبو الفتح المطرزي رحمه الله تعالى:

" الدرهم: اسم للمضروب المدور من الفضة، كالدينار من الذهب...

وكانت الدراهم في الجاهلية ثقالا مثاقيل، وخفافا طبرية.

فلما ضربت في الإسلام: جمعوا الثقيل والخفيف، فجعلوهما درهمين.

وذكر أبو عبيد في كتاب "الأموال" أن هذا الجمع والضرب كان في عهد بني أمية وطوّل القول فيه " انتهى من "المغرب" (ص163).

وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

"فأما الدراهم التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم يكن عليها قرآن، ولا اسم الله، ولا ذكر؛ لأنها كانت من ضرب الروم وغيرهم من أهل الكفر، وإنما ضربت دراهم الإسلام في أيام عبد الملك بن مروان" انتهى من "التمهيد" (15/255).

وكونها وحدة نقدية أمر مشهور في نصوص الكتاب والسنة، فمن ذلك:

قول الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يوسف/20.

قال الطبري رحمه الله تعالى:

" والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعوه بدراهم معدودة، غير موزونة، ولم يَحُدَّ مبلغَ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع عليه دلالة في كتاب، ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يحتمل أن يكون كان عشرين، ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين، وأن يكون كان أربعين، وأقل من ذلك وأكثر، وأي ذلك كان؛ فإنها كانت معدودة غير موزونة " انتهى من "الطبري" (13/59).

وروى البخاري (2168)، ومسلم (1504) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ ... ".

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:

"الأَوَاقِيّ جمع أُوقِيَّة... وكانت الْأُوقِيَّة قديما: عبارة عن أربعين درهما" انتهى من "النهاية" (1/ 80).

قال الخطابي رحمه الله تعالى:

" وكان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم عددا وقت مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إياها، والدليل على صحة ذلك أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فيما روي عنها من قصّة بريرة: (إن شاء أهلك أن أعدّها لهم عدّة واحدة، فعلت)؛ تريد الدراهم التي هي ثمنها" انتهى من "معالم السنن" (3 /61-62).

لكن الحديث يشير أيضا إلى أن الدرهم كانوا يستعملونه كوحدة وزن.

فلكون الدراهم من معدن ثمين، وهو الفضة، والنفوس تتشدد في أوزان هذه المعادن ولا تتساهل، وكانت الدراهم تضبط أوزانها ضبطا دقيقا بمقياس الحبة والشعيرة؛ لأجل ذلك كله صلحت الدراهم لأن تكون وحدة من وحدات الأوزان.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" وأما قول عائشة: (إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها لهم)، ففيه دليل على أن العد في الدراهم الصحاح تقوم مقام الوزن، وأن الشراء بها جائز من غير ذكر الوزن؛ لأنها لم تقل: أزنها لهم.

ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم عدد الأواقي غير جائز، ولو كان غير جائز، لقال لهم إن العد في مثل هذا لا يجوز.

وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن التبايع كان بين الناس في ذلك الزمان بالأواقي، وبالنواة وبالنش، وهي أوزان معروفة؛ فالأوقية: أربعون درهما. والنش: نصفها. والنواة زنة خمسة دراهم " انتهى من"التمهيد" (22/ 169–170).

وروى الإمام مسلم (1426) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَتْ:

كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ".

وروى أبو داود (3340)، والنسائي (2520) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ).

وخص الوزن بوزن أهل مكة؛ لأنهم كانوا أهل تجارة يتجرون جنوبا وشمالا، فترد إليهم الدراهم والدناينر المختلفة المصادر والأوزان، فكان الوزن المعتبر هو الذي اختاره أهل مكة.

قال الخطابي رحمه الله تعالى:

"فقوله: ( الوزن وزن أهل مكة )؛ يريد وزن الذهب والفضة خصوصا دون سائر الأوزان، ومعناه أن الوزن الذي يتعلق به حق الزكاة في النقود: وزن أهل مكة، وهي دراهم الإسلام المعدلة منها، العشرة بسبعة مثاقيل، فإذا ملك رجل منها مائتي درهم وجبت فيها الزكاة.

وذلك أن الدراهم مختلفة الأوزان في بعض البلدان والأماكن ، فمنها البغلي ، ومنها الطبري، ومنها الخوارزمي، وأنواع غيرها، والبغلي ثمانية دوانيق ، والطبري أربعة دوانيق ، والدرهم الوزان الذي هو من دراهم الإسلام الجائزة بينهم في عامة البلدان: ستة دوانيق، وهو نقد أهل مكة ووزنهم الجائز بينهم" انتهى من "معالم السنن" (3/61).

وهذا لا يعني أنهم كانوا يصنعون الدراهم الخاصة بهم؛ وإنما اختاروا وزنا معياريا يرجعون إليه عند وزن الدراهم المختلفة الأوزان.

قال الخزاعي رحمه الله تعالى:

" أقرب ما يُتأول في هذا الاختلاف الواقع في الدرهم الشرعي: هل كان معلوما في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم أو غير معلوم القدر، وهو أن يكون معلوم القدر غير موجود العين، مثل درهم الصَّنْجَة عندنا الآن، فإنه معلوم القدر غير موجود العين، وإنما توجد صنجته ومنه تتركّب الأوزان التي فوقه بالدينار والأوقية والرطل وغيرها...

وبهذا تتفق الأقوال، ويندفع التعارض عنها، فيحمل قول من قال: إن درهم مكة كان معلوما في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أن المراد بذلك قدره ووزنه، لا عينه، ويحمل قول من قال: إن الدراهم كانت غير معلومة إلى أيام عبد الملك بن مروان: أن المراد بذلك أنها لم تكن معلومة بأعيانها، وإنما كانوا يتعاملون بتلك الدراهم المختلفة المتنوعة، ويرجعون في أقدارها إلى قدر الدرهم المعلوم الذي تركبت منه الأوقية والنشّ والنواة " انتهى. "تخريج الدلالات السمعية" (ص 601–602).

ويستأنس لهذا القول بما رواه البلاذري في "فتوح البلدان" (ص 652-654) عن الواقدي، حيث قال:

" حدثني محمد ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر الأسلمي، قال: حدثنا عثمان بن عبد الله ابن موهب، عن أبيه، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، قال: كانت دنانير هرقل ترد على أهل مكة في الجاهلية، وترد عليهم دراهم الفُرس البغلية، فكانوا لا يتبايعون إلا على أنها تبر، وكان المثقال عندهم، معروف الوزن؛ وزنه اثنان وعشرون قيراطا إلا كسرا، ووزن العشرة الدراهم سبعة مثاقيل، فكان الرطل اثنتي عشرة أوقية، وكل أوقية: أربعين درهما، فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأقره أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فكان معاوية فأقر ذلك على حاله، ثم ضرب مصعب بن الزبير في أيام عبد الله بن الزبير دراهم قليلة كسرت بعد، فلما ولي عبد الملك بن مروان سأل وفحص عن أمر الدراهم والدنانير، فكتب إلى الحجاج بن يوسف أن يضرب الدراهم...

وحدثني محمد بن سعد، قال: حدثنا الواقدي، عن سعيد بن مسلم بن بابك، عن عبد الرحمن بن سابط الجمحي، قال: كانت لقريش أوزان في الجاهلية، فدخل الإسلام فأُقرت على ما كانت عليه، كانت قريش تزن الفضة بوزن تسميه درهما، وتزن الذهب بوزن تسميه دينارا، فكل عشرة من أوزان الدراهم سبعة أوزان الدنانير، وكان لهم وزن الشعيرة وهو واحد من الستين من وزن الدرهم، وكانت لهم الأوقية وزن أربعين درهما، والنش وزن عشرين درهما، وكانت لهم النواة وهي وزن خمسة دراهم، فكانوا يتبايعون بالتبر على هذه الأوزان، فلما قدم صلى الله عليه وسلم مكة أقرهم على ذلك " انتهى.

فالحاصل؛ أن الدرهم كان يستخدم وحدة نقدية من معدن الفضة، واستخدم أيضا وحدة وزن، ولهذا يعده المصنفون في الأوزان والمكاييل من الأوزان.

كقول الخزاعي رحمه الله تعالى:

"معرفة أسماء الأوزان المستعملة في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم ومعرفة أقدارها، وهي عشرة:

الدرهم، والدينار، والمثقال، والدانق، والقيراط، والأوقية، والنش، والنواة، والرطل، والقنطار" انتهى من "تخريج الدلالات السمعية" (ص 598).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب