الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم من يجتهد في الدراسة لإثبات قدراته أمام الناس؟

396705

تاريخ النشر : 03-01-2023

المشاهدات : 2798

السؤال

أردت معرفة ما الفرق بين أول من يحاسبهم الله تعالى، القارئ الذي قرأ ليقال إنه قرأ، وصاحب المال الذي يتصدق فيقال عنه فلان جواد، وكذلك المجاهد، ما الفرق بينهم وبين من كرس دراسته ليري من نظر له نظرة احتقار في حياته ويري الجميع أنه قدر على إنجاز مرتبة مهمة، هل يعتبر ذلك رياء؟ وهل هو كهؤلاء ممن ذكرت؟

الجواب

الحمد لله.

عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ رواه مسلم (1905).

هذه الأعمال من العبادات المحضة التي يتقرب بها إلى الله تعالى، فلذا إذا دخلها الرياء أصبح صاحبها غير مخلص في عبادته.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله، وإدخالهم النار؛ دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال، كما قال الله تعالى: ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (13/ 50–51).

فالرياء يلحق الأعمال التي يطلب بها الأجر عند الله تعالى.

عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ.

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟

قَالَ:  الرِّيَاءُ، إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاؤُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً  رواه الإمام أحمد في "المسند" (39/43)،وحسن إسناده محققو المسند، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/120).

وأما ما هو من جنس المباحات، والتي لا يأثم العبد أن يريد بعملها، الدنيا كدراسة العلوم الدنيوية المختلفة، أو الدراسة النظامية التي يعطى الدارس عليها شهادات دنيوية؛ فهذه إذا درسها الطالب لإثبات علو شأنه على أقرانه وأصحابه، وكان مقصوده العلو على غيره، والرفعة عليه، وبيان أنه الأفضل؛ فهذا التصرف وإن لم يصدق عليه أنه من الرياء؛ إلا أنه خصلة ذميمة منهي عنها؛ لأنها من الكبر والخيلاء، وتدل على أن صاحبها لم يحقق التوكل على الله تعالى ولم يحقق التواضع المطلوب شرعا، فبهذا قد خرج من الطائفة التي يحبها الله تعالى، قال الله تعالى:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد/22–23.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" ولا يفرحوا بما آتاهم الله فرح بطر وأشر، لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم وقوتهم، وإنما أدركوه بفضل الله ومنه، فيشتغلوا بشكر من أولى النعم ودفع النقم، ولهذا قال: ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )، أي: متكبر فظ غليظ، معجب بنفسه، فخور بنعم الله، ينسبها إلى نفسه، وتطغيه وتلهيه، كما قال تبارك وتعالى: (ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بل هي فتنة) " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 842).

والعبد كلما اجتهد في إرادة العلو في هذه الدنيا على غيره، ضيع شيئا من نصيبه في الآخرة.

قال الله تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ القصص/83.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" فالدار الآخرة للذين لا يريدون علوا في الأرض، والعلو هنا سواء كان علوا عن أوامر الله تعالى، أو علوا على عباد الله، فالذين لا يريدون العلو إنما يريدون الذل لله، والذل للعباد على الوجه الذي يرضاه الله، هؤلاء هم الذين لهم الدار الآخرة، فمن أراد العلو على الخلق، كان ذلك بماله، أو بعشيرته، أو بقوته البدنية، أو بعلمه، أو بسلطان؛ فإنه لا حظ له في الآخرة على حسب ما عنده من إرادة العلو" انتهى من "تفسير سورة القصص" (ص376).

وأما إن كان قد أسيء إليه، أو نظر إليه أحد نظرة زراية عليه، وهضم لشأنه، واحتقار لأمره، فأراد أن يدفع عن نفسه ذلك بجده، وتقدمه في دراسته: فلا يظهر لنا مانع من ذلك، وهو من دفع الأذى، ودفع الظلم عن النفس بأمر مباح، لا عدوان فيه على أحد، ولا أذى له.

وبكل حال؛ فعلى الطالب أن يجعل دافعه في طلبه للعلم واجتهاده فيه إيصال النفع لنفسه ولإخوانه المسلمين، وأن يجتهد في استحضار المقاصد الحسنة، حتى يجعل من طلبه للعلم وسيلة للأجر والثواب، فينتفع بعلمه في الدنيا والآخرة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب