الحمد لله.
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ رواه الترمذي (2417)، وقال: ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”.
وعبارة: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ، أي:”من موقفه للحساب إلى جنة أو نار” انتهى من “دليل الفالحين” (4/300).
فالظاهر أن هذا كله يكون في موقف الحساب.
لكن ورد عند البخاري (6547)، ومسلم (2736) عَنْ أُسَامَةَ بن زيد، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينَ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” قوله: أَصْحَابُ الجَدِّ بفتح الجيم أي: الغنى.
قوله: مَحْبُوسُونَ أي ممنوعون من دخول الجنة مع الفقراء من أجل المحاسبة على المال، وكأن ذلك عند القنطرة التي يتقاصون فيها بعد الجواز على الصراط ” انتهى من”فتح الباري” (11/420).
والحاصل:
أن ما ذكره هذا القائل: هو احتمال، ليس شيء منه بالبين، ولا المنصوص.
وقيل: إن لفظ الحديث وإن كان عاما، إلا أنه مخصوص.
قيل: مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب، فهذا لا يُسأل عن ذلك.
وقيل: مخصوص بمن لا مال له، ولا علم له.
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: ” قال القرطبي: عموم الحديث واضح؛ لأنه نكرة في سياق النفي. لكنه مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب، وبمن يدخل النار من أول وهلة، على ما دل عليه قوله تعالى: يُعرف المجرمون بسيماهم الآية.
قلت: وفي سياق حديث أبي برزة إشارة إلى الخصوص؛ وذلك أنه ليس كل أحد عنده علم يُسأل عنه، وكذا المال؛ فهو مخصوص بمن له علم وبمن له مال، دون من لا مال له ومن لا علم له. وأما السؤال عن الجسد والعمر: فعام. ويُخص من المسئولين: من ذَكرَ”. انتهى من “فتح الباري” (11/414).
ويحتمل أن يقال: إن ها هنا مقامين: أما الأول، فهو مما يشترك فيه الناس جميعا، كما هو ظاهر الحديث: لا تزول قدما عبد..؛ وهذا لا فرق فيه بين شيء من الأمور الأربعة المذكورة، فكلها في مقام واحد؛ فإما أن يقال: إن السؤال عن جميعها، يقع على العموم، في مقام واحد، كما هو ظاهر الحديث. وإما أن يقال: إن العموم مخصوص بمن لا مال له، فلا يُسأل، ويبقى من له مال؛ فالظاهر أنه يُسأل في مقام واحد مع باقي الأربع، ثم يكون بعد القنطرة سؤال خاص، أو تأخير خاص لأصحاب المال (وأصحاب الجد محبوسون)، ويكون ذلك السؤال أو التأخير خاصا بالأغنياء، بعد ما سئل كل عبد عن ماله الذي اكتسبه، قليلا كان أو كثيرا.
وللفائدة تحسن مطالعة هذه الأجوبة: 220511 ، 292592، 22203.
والله أعلم.
تعليق