الأربعاء 18 محرّم 1446 - 24 يوليو 2024
العربية

يعمل في توصيل السلع ، وقد يذهب لامرأة متبرجة!

398146

تاريخ النشر : 18-04-2023

المشاهدات : 1526

السؤال

اشتريت أقنعة وجه بالجملة، أبيعها بربح للعملاء، أنا واثق أنّ المكان الذي تصنع فيه، لديه أشياء محرمة، كالربا والإختلاط، فهل هناك أيّ إثم في الشراء منه؟ فأوصلها شخصيًا، وأقوم بتحصيل تكلفة التوصيل بمعزل عن سعر المُنتج، وهل يجوز استقطاع تكاليف التوصيل بمعزل عن المُنتج؟ في كثير من الأحيان أقوم بالتوصيل لامرأة ترتدي ملابس غير لائقة، فهل علي أيّ إثم إذا صرفت بصري قدر الإمكان؟ فبعد أن أحصل على المنتجات التي يتم تسليمها بواسطة البريد، بعد الحصول عليها يدفع العميل تكلفة البريد، أستطيع أن أقول بيقين تامّ أنّ عامل التوصيل سوف يسلم لامرأة ترتدي ملابس غير لائقة، فهل عليّ أيّ إثم في هذا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

لا إثم عليك في الشراء من مكان لديه بعض المحرمات كالربا والاختلاط ، ما دامت السلعة التي تشتريها مباحة .

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله : "وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعاملون المشركين وأهل الكتاب مع علمهم بأنهم لا يجتنبون الحرام كله " انتهى من "جامع العلوم والحكم" (ص179) .

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

هل يجوز للمسلم أن يشتري لحما حلالا من المقر الذي يبيع لحما حراما أيضا، إذا كانت اللحوم (كل نوع منها) في مستودع خاص وتخزن في ثلاجة خاصة لها، واللحوم في حزمة خاصة؟

وهل يجوز شراء أطعمة حلال من مخزن تجاري كبير، إذا كان المخزن المذكور يبيع خمورا في زاوية خاصة في المخزن، وصاحب الدكاكين هنا غير مسلم؟

فأجابوا :

"يقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ؛ فلا يجوز لمسلم أن يكون عونا لأحد على ما فيه إثم ومعصية وانتهاك لحرمات الله؛ لهذا فإذا كان المسلم في حال الاختيار والسعة بحيث يجد من يبيع الحلال، ويتعفف عن بيع الحرام من لحم خنزير ونحوه؛ فعليه التعامل معه ، لا مع من يبيع الحلال والمحرم، من خنزير وخمر ونحوهما، أما إذا لم يمكنه ذلك، فيجوز للمسلم شراء اللحوم الحلال والأطعمة المباحة منه إذا لم يشتبه بغيره؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الشيخ بكر أبو زيد ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/173) .

ثانيا :

لا حرج في أخذ أجرة التوصيل من المشتري ، ويكون العقد في هذه الحالة متضمنا عقدين : الأول : عقد بيع السلعة ، والثاني : عقد إجارة على نقلها وتوصيلها للمشتري .

وينبغي في هذه الحالة أن تبين للمشتري أن ثمن السلعة كذا ، وأجرة توصيلها كذا ، حتى يكون على بينة من أمره ، ولا يكون في المعاملة خداع ، لأنه قد يظن أن جميع ما دفعه هو ثمن السلعة ، وأن التوصيل مجاني . أو لأنه قد يختار طريقا أخرى لوصول السلعة إليه، أنسب من ذلك.

وبكل حال؛ فكلما صدق البائع وبين حقيقة المعاملة كان أقرب إلى حصول البركة له في ماله .

روى البخاري (2079)، ومسلم (1532) عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) .

ثالثا :

أجاز العلماء أن ينظر البائع إلى وجه المرأة التي تشتري منه حتى يتعرف عليها ، لأنه قد يتم فسخ العقد ، أو يكون هناك خطأ ما في المعاملة فيحتاج أن يعود إليها ، أو أن يرفع الأمر إلى القضاء ، وهذا لا يمكن إلا إذا كان يعرف المرأة التي تعامل معها .

قال ابن قدامة رحمه الله :

"وَإِنْ عَامَلَ امْرَأَةً فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ فَلَهُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا ، لِيَعْلَمَهَا بِعَيْنِهَا ، فَيَرْجِعَ عَلَيْهَا بِالدَّرَكِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّابَّةِ دُونَ الْعَجُوزِ .

وَلَعَلَّهُ كَرِهَهُ لِمَنْ يَخَافُ الْفِتْنَةَ ، أَوْ يَسْتَغْنِي عَنْ الْمُعَامَلَةِ ، فَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِ الشَّهْوَةِ ، فَلَا بَأْسَ" انتهى من "المغني" (9/498) .

وليس لك أن تنظر أكثر من ذلك ، ولا أن تلمسها (المصافحة) ، فيجب عليك أن تغض بصرك بقدر استطاعتك .

قال تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30.

وروى أبو داود (2149)، والترمذي (2777) عن حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : (يَا عَلِيُّ ، لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ) والحديث حسنه الألباني في "جلباب المرأة المسلمة" (ص:77) .

قال المباركفوري في "شرج الترمذي" :

"قال في التّحفة : قوله : ( لا تتبع النظرة النظرة ) من الإتباع , أي : لا تعقبها إياها ولا تجعل أخرى بعد الأولى .

(فإن لك الأولى) أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد .

(وليست لك الآخرة ) أي النظرة الآخرة لأنها باختيارك فتكون عليك" انتهى . 

رابعا :

لا يُتيقن أن عامل التوصيل سوف يسلم السلعة لامرأة ترتدي ثيابا غير لائقة ، فقد يتم التسليم لرجل أو صبي أو امرأة كبيرة في السن ، أو شابة لا ترتدي ثيابا غير لائقة .

ثم .. لو فرض أن الأمر كما ذكرت ، فلا إثم عليك في ذلك لأنك لم ترسله من أجل هذا ، وإنما هذا جاء تبعا لتسليم السلعة ، وهو مسؤول عن تصرفاته ، فإن ارتكب حراما فالإثم عليه ، لا عليك ، لأنك لم تعنه على الحرام إعانة مباشرة . والحرام يتحمل إثمه من فعله أو أعان عليه إعانة مباشرة .

قال الدكتور وليد المنيسي ـ عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ـ : "موضوع ضابط الإعانة على الإثم والعدوان، كان محل بحث طويل، ومناقشات بين أعضاء مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في دورته الخامسة التي انعقدت بالبحرين سنة 1428هـ.

وكان خلاصة ما توصلوا إليه أن الإعانة على الإثم والعدوان أربعة أقسام:

1-مباشرة مقصودة: كمن أعطى آخر خمرًا بنية إعانته على شربها.

2-مباشرة غير مقصودة: ومنه بيع المحرمات التي ليس لها استعمال مباح؛ إذا لم ينو إعانتهم على استعمالها المحرم.

3-مقصودة غير مباشرة: كمن أعطى آخر درهمًا ليشتري به خمرًا، ومنه القتل بالتسبب.

4-غير مباشرة، ولا مقصودة: كمن باع ما يستعمل في الحلال والحرام، ولم ينو إعانة مستعمليه في الحرام، وكمن أعطى آخر درهمًا لا ليشتري به خمرًا، فإن اشترى به خمرًا وشربه، فلا إثم على من أعطاه الدرهم، طالما لم ينو به إعانته على المحرم، ومن هذا القسم الرابع البيع والشراء، والإجارة من المشركين، وفساق المسلمين، والتصدق عليهم بالمال. وقد كان قرار المجمع تحريم الأنواع الثلاثة الأولى، وإباحة القسم الرابع، وهو ما ليس مباشرًا، ولا مقصودًا" انتهى.

ونحن نخشى ، مما فهمناه من سؤالك: أن تكون مبتلى بالوسواس.

فإن كان الأمر كذلك؛ فنصيحتنا لك: أن تتجاهل هذه الوساوس، وتعرض عنها؛ فإنها متى تمكنت من المرء أوشكت أن تفسد عليه أمره كله.

وإن كنت ترى الأمر كذلك، ولم يكن ظننا خاطئا؛ فمن المستحسن أن تبادر بعرض نفسك على طبيب ثقة، فإن ذلك من شأنه أن يعينك على التغلب عليها، وكيفية التعامل الصحيح معها.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب