الثلاثاء 23 صفر 1446 - 27 اغسطس 2024
العربية

هل يجوز الاتفاق على تغيير القرض من عملة إلى أخرى؟

398420

تاريخ النشر : 04-05-2023

المشاهدات : 2594

السؤال

أقرض رجل صديقه مبلغا من المال قبل 3 سنوات، على أن يرده بعد أسبوع، ولكنه أخلف وعده، وبسبب تأخره في الوفاء ومماطلته في الدفع قال له المقرض: أنا أريد تثبيت الدين بالدولار؛ بسبب انهيار العملة التركية، والفرق الكبير بين سعر الليرة يوم القرض وسعرها اليوم. فهل يجوز لهذا السبب تثبيت مافي ذمة المقترض بالدولار، خاصة أنه ما زال يماطل في دفع الدين، و ما نصيحتكم في مثل هذه الحالة تحديدا إن كان المقترض مازال يماطل في الدفع، والعملة ما زالت تنخفض قيمتها؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

لا حرج أن يتفق الدائن والمدين عند تسديد القرض أن يكون بعملة أخرى بشرط : ألا يتم الاتفاق على ذلك وقت القرض، ولا قبل وقت الأداء، كما في السؤال ، وأن يكون ذلك بسعر العملة وقت السداد، وأن يتم التقابض في المجلس.

وذلك لأن مبادلة الدولارات بالليرة هو في حقيقته بيع عملة بعملة ، فأنت قد بعت عليه الليرة التي في ذمته بالدولارات ، وبيع العملة بعملة أخرى يشترط له التقابض من الطرفين في المجلس.

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) رواه مسلم (1587) .

والنقود لها أحكام الذهب والفضة .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" المعاملة بالبيع والشراء بالعُمَل جائزة ، لكن بشرط التقابض يداً بيد إذا كانت العمل مختلفة ، فإذا باع عملة ليبية بعملة أمريكية أو مصرية أو غيرهما يداً بيد فلا بأس ، كأن يشتري دولارات بعملة ليبية يداً بيد ، فيقبض منه ويُقبضه في المجلس ، أو اشترى عملة مصرية أو إنجليزية أو غيرها بعملة ليبية أو غيرها يداً بيد فلا بأس ، أما إذا كانت إلى أجل فلا يجوز ، وهكذا إذا لم يحصل التقابض في المجلس فلا يجوز ، لأنه والحال ما ذكر يعتبر نوعاً من المعاملات الربوية

، فلا بد من التقابض في المجلس يداً بيد إذا كانت العُمَل مختلفة ... والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (19/171- 174).

وقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي قرار يتعلق بالنقود الورقية ، جاء فيه : " أنها نقود اعتبارية ، فيها صفة الثمنية كاملة ، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة : من حيث أحكام الربا ، والزكاة ، والسَّلَم ، وسائر أحكامهما " ، انتهى من"قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي" (ص: 14).

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضاً وقدره 2500جنيه مصري وقد أرسلت له مبلغ 2000دولار باعهم وحصل على مبلغ 2490جنيها مصريا، ويرغب حاليا في سداد الدين، علما بأننا لم نتفق على موعد وكيفية السداد، والسؤال : هل أحصل منه على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً وهو يساوي حاليا1800دولار أمريكي (أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولار) أم أحصل على مبلغ 2000 دولار علماً بأنه سوف يترتب على ذلك أن يقوم هو بشراء (الدولارات) بحوالي 2800جنيه مصري (أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعلاً بأكثر من 300جنيه مصري) ؟

فأجاب : " الواجب أن يرد عليك ما أقرضته دولارات ، لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له. ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نبيع الإبل بالبقيع أو بالنقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ، ما لم تتفرقا وبينكما شيء) فهذا بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة ، فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل ، فإن هذا لا بأس به ، فمثلاً إذا كانت 2000دولار تساوي الآن 2800جنيه لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه ولكن يجوز أن تأخذ 2800جنيه، ويجوز أن تأخذ منه 2000دولار فقط يعنى أنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل ، أي لا تأخذ أكثر لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/414) .

وعلى هذا ، فلا يجوز تحويل الدين من ليرة إلى دولارات وتبقى الدولارات في ذمة المدين ؛ فإن حقيقة هذه المعاملة: أنها صرف عما في ذمة ، مع تأخر القبض، وهذا ربا.

ثانيا :

إذا تأخر المدين في السداد حتى نقصت قيمة العملة ، فقد بحث "مجمع الفقه الإسلامي" هذه المسألة في أكثر من دورة ( الثالثة ، والخامسة ، والثامنة ، والتاسعة ، والثانية عشرة) ، وكانت مجمل الآراء في المسألة ترجع إلى ثلاثة أقوال :

الأول : التمسك بالأصل من وجوب رد المثل ، مهما كان حجم الانخفاض في قيمة العملة .

الثاني : وجوب رد قيمة العملة وقت نشوء الالتزام [أي : وقت أخذ الدين] ( إما من خلال مراعاة القوة الشرائية للنقود ، أو مراعاة قيمة النقود بالذهب وقت الدين).

الثالث: أن يؤخذ في مثل هذه الحالات بمبدأ الصلح الواجب ، بعد تقدير أضرار الطرفين (الدائن والمدين). أي : يتم التراضي بينهما على مبلغ يدفعه المدين .

ومن توصيات "الندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم" التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي بجدة بالتعاون مع مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين في عام (1420 هـ ، 1999م) :

" إن كان التضخم عند التعاقد غير متوقع الحدوث وحدث ، فإما أن يكون وقت السداد كثيرًا أو يسيرًا ، وضابط التضخم الكثير أن يبلغ ثلث مقدار الدين الآجل :

1- إذا كان التضخم يسيرًا فإنه لا يعتبر مسوغًا لتعديل الديون الآجلة ؛ لأن الأصل وفاء الديون بأمثالها ، واليسير في نظائر ذلك من الجهالة أو الغرر أو الغَبْن مغتفر شرعًا .

2- وإذا كان التضخم كثيرًا ، فإن وفاء الدين الآجل حينئذ بالمثل ( صورة ) يلحق ضررًا كثيرًا بالدائن يجب رفعه ، تطبيقًا للقاعدة الكلية ( الضرر يزال ) .

والحل لمعالجة ذلك هو اللجوء إلى : الصلح .

وذلك باتفاق الطرفين على توزيع الفرق الناشئ عن التضخم بين المدين والدائن بأي نسبةٍ يتراضيان عليها " انتهى من " مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (12/4/286) بتصرف يسير .

والذي يظهر – والله أعلم – أن هذا التأخر له حالتان :

الأولى : أن يكون بمماطلة وظلم ، بأن يكون قادرا على السداد ولكنه يؤخره بلا عذر ، فيتحمل المدين نقص العملة ، لأن المماطل معتدٍ وظالم ، فيتحمل ما نتج بسبب ظلمه .

الحال الثانية : أن يكون غير قادر على السداد ، فإن كان نقص قيمة العملة أقل من الثلث ، فلا يتحمله المدين ، وإن بلغ النقص الثلث فأكثر ، فالذي ينبغي هنا هو أن يصطلح الطرفان على تحمل هذا النقص .

وينظر جواب السؤال رقم: (220839 ) .

على أنه يراعى أن يكون النظر في الرد بالقيمة، أو تعويض النقص: عند أداء الدين، لا قبل وقت الأداء، كما سبق التنبيه عليه.

ويراعى أيضا : أن يكون أداء الدين، مع تعويض النقص الحاصل : بعملة أخرى، سوى التي وقع بها الدين، خروجا من صورة الربا إذا أخذ عين النقد الذي له على المدي، مع زيادة فيه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب