السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

حديث صلاة الله تعالى والملائكة على معلم الناس الخير، هل صح، وما معناه؟

399042

تاريخ النشر : 08-10-2023

المشاهدات : 24906

السؤال

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ)، هل للعوام أو للمسلم العادي أن يدخل في هذا الحديث، أم إنه للعلماء والدعاة؟ وإن كان للعوام فما الذي يمكن المسلم العادي فعله في هذه الأيام؛ حتى ينال هذا الثواب العظيم؟

ملخص الجواب

 أن المراد بـ : ( معلم الناس الخير) : كل من علم الناس خيرا، ينفعهم عند رب العالمين، ويكون سببا في نجاتهم عنده. ولا يشترط أن يكون "معلم" الخير: عالما، ولا داعيا؛ بل يمكن لكل مسلم حتى العامي أن يأخذ من ذلك بنصيب إذا كان تعليمه الخير عن علم وبصير لا عن جهل ولمجرد حب الخير.

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

الحديث المذكور جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي لله عنه قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ.

أخرجه الترمذي (2685) وقال: "هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ".

وفي بعض نسخ الترمذي، قال: "حديث غريب".

والحديث في إسناده:

1- سلمة بن رجاء ، قال ابن حجر: صدوق يغرب . "تقريب التهذيب" (١/٣٩٩).

2- وفيه الوليد بن جميل، قال أَبو حاتم الرازي: الوليد بن جميل، شيخ، يروي عن القاسم أحاديث منكرة. "الجرح والتعديل" (9/ 3).

3- فيه القاسم بن عبد الرحمن، قال ابن حجر: صدوق يغرب كثيرا.

 قال الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح" (211) : منقطع .

لكن الشيخ عاد، وصحح الحديث في كتبه الأخرى: "صحيح الترمذي" و"صحيح الترغيب والترهيب" و"صحيح الجامع".

وصححه أيضا الأرناؤوط في تعليقه على "صحيح ابن حبان" (1/295)، وحسنه – وفريقه – في حاشية "مسند أحمد" (36/43).

ثانيًا:

المقصود بمعلم الناس الخير في هذا الحديث: هم العلماء والدعاة وكل من يرشد الناس إلى ما يقربهم من الله تعالى وما فيه نجاتهم في الآخرة .

قال الإمام الترمذي بعد رواية هذا الحديث:

" سمعت أبا عمار الحسين بن حريث الخزاعي، يقول: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: عالم عامل معلم يدعى كبيرا في ملكوت السموات"!! انتهى.

وقال ابن القيم، رحمه الله:

"وقولُه: ( إنّ اللهَ وملائكتَه وأهلَ السموات والأرض يصلُّون على معلِّم الناس الخير ): لمّا كان تعليمُه الناسَ الخيرَ سببًا لنجاتهم وسعادتهم وزكاة نفوسهم؛ جازاه الله من جنس عمله، بأنْ جعَل عليه مِن صلاته وصلاة ملائكته وأهل الأرض، ما يكونُ سببًا لنجاته وسعادته وفلاحه.

وأيضًا؛ فإنّ معلِّمَ الناس الخيرَ لمّا كان مُظْهِرًا لدين الربِّ وأحكامه، ومعرِّفًا لهم بأسمائه وصفاته، جعَل الله مِن صلاته وصلاة أهل سماواته وأرضه عليه ما يكونُ تنويهًا به، وتشريفًا له، وإظهارًا للثناء عليه بين أهل السماء والأرض" انتهى من "مفتاح دار السعادة" (1/169).

وقال في "المفاتيح في شرح المصابيح" (1/ 316):

" قوله: (على معلِّمِ الناس الخير) أراد بـ (الخير) ها هنا : علم الدين، وما به نجاة الرجل " انتهى.

وقال صاحب "مرقاة المفاتيح" (1/ 298) :

" ( لَيُصَلُّونَ ) : فِيهِ تَغْلِيبٌ لِلْعُقَلَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ ، أَيْ : يَدْعُونَ بِالْخَيْرِ ( عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ) : قِيلَ: أَرَادَ بِالْخَيْرِ هَنَا عِلْمَ الدِّينِ وَمَا بِهِ نَجَاةُ الرَّجُلِ ، وَلَمْ يُطْلِقِ الْمُعَلِّمَ ؛ لِيُعْلَمَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الدُّعَاءِ لِأَجْلِ تَعْلِيمِ عِلْمٍ مُوصِلٍ إِلَى الْخَيْرِ " انتهى.

وقال المناوي في "التنوير شرح الجامع الصغير" (7/ 490) :

" (على معلم الناس الخير) دل على أن هذا الفضل والتفضيل لمن أفاض نفائس علوم الدين على العباد ، وشملت بركة علمه الحاضر والباد " انتهى.

ولا شك أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على رأس من معلمي الناس الخير ، لذلك أمر الله تعالى بالصلاة عليه ، وأخبر أنه تعالى وملائكته يصلون عليه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

" فَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ فِيمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الصَّلَاةَ مِنَ الْإِيمَانِ وَتَعْلِيمِ الْخَيْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، كَانَ لَهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ خَبَرًا وَأَمْرًا، خَاصِّيَّةٌ لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا لِغَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "  انتهى من "منهاج السنة النبوية" (4/ 605).

 والحاصل : أن المراد بـ : ( معلم الناس الخير) : كل من علم الناس خيرا، ينفعهم عند رب العالمين، ويكون سببا في نجاتهم عنده.

ولا يشترط أن يكون "معلم" الخير: عالما، ولا داعيا، وإن كان من قام بذلك المقام بشرطه، أولى الناس بذلك؛ بل يمكن لكل مسلم أن يأخذ من ذلك بنصيب.

وفي صحيح البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً).

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: " و قال في الحديث : (ولو آية) أي : واحدة ، ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي، ولو قَلَّ، ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم" انتهى.

وينظر: جواب السؤال رقم: (103895 ). 

وعلى ذلك؛ فمتى أراد العامي أن يضرب لنفسه بسهم في تلك الغنيمة، فليعلم الناس ما يمكنه من الخير، ولو أن يعلم غيره فاتحة الكتاب، أو صلاة الفريضة، فلا يستقل بذلك، ولو أن يأمر بمعروف، أو ينهى عن منكر، أو يذكر غيره بخير بشرط أن يكون ذلك عن بصيرة وعلم أخذه من ثقاة أهل العلم لا عن جهل ولمجرد الغيرة؛ وهذا لا يكاد يعجز عنه أحد.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب