الحمد لله.
الأصل ألا يضع المصلي شيئا في أذنه يمنعه من سماع الأصوات ، فإنه لم يرد – فيما نعلم – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل شيئا من ذلك ، لأن الغالب أن تكون تلك الأصوات يسيرة لا تشغل المصلي عن صلاته .
لكن .. إذا وجد سبب، كأن تكون تلك الأصوات مزعجة ، أو تستغرق وقتا طويلا ، بحيث تشغل المصلي عن صلاته ، وتؤثر على خشوعه وحضور قلبه في الصلاة ، فلا بأس حينئذ أن يضع المصلي في أذنيه شيئا يمنع الصوت أو يقلله .
ويشبه هذا : تغميض العينين في الصلاة ، فإن السنة عدم تغميضهما ، لكن لو وجد المصلي ما يشغله عن صلاته ، فإنه يشرع له تغميض عينيه حينئذ حتى يقبل على صلاته .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميض عينيه في الصلاة ، وقد تقدّم أنه كان في التشهد يومئ ببصره إلى أصبعه في الدعاء ولا يُجاوز بصره إشارته...
وقد يدلّ على ذلك مدّ يده في صلاة الكسوف ليتناول العنقود لما رأى الجنة ، وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها وصاحب المحجن ، وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمرّ بين يديه وردّه الغلام والجارية وحجزه بين الجاريتين ، وكذلك أحاديث ردّ السلام بالإشارة على من سلّم عليه وهو في الصلاة ، فإنه إنما كان يشير إلى من يراه ، وكذلك حديث تعرّض الشيطان له فأخذه فخنقه وكان ذلك رؤية عين. فهذه الأحاديث وغيرها يُستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة.
وقد اختلف الفقهاء في كراهته ، فكرهه الإمام أحمد وغيره وقالوا : هو فعل اليهود ، وأباحه جماعة ولم يكرهوه...
والصواب أن يُقال : إن كان تفتيح العين لا يُخلّ بالخشوع فهو أفضل ، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوّش عليه قلبه فهنالك لا يُكره التغميض قطعا ، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ، والله أعلم" انتهى من " زاد المعاد" (1/293) .
فإذا كان المسلم يصلي ثم حدثت تلك الضوضاء ، وأمكنه أن يلتهى عنها قدر طاقته ، وهو في صلاته: فهو حسن.
وإن لم يمكن ذلك، واحتاج أن يضع السماعة العازلة في أذنه، فلا حرج عليه.
وإن لم يكن معه السماعة، ولا معه ما يمنع عنه الصوت، وكان ذلك بحيث يشوش عليه الصلاة، ولم يمكنه أن يقبل عليها ويركز فيها؛ فلا حرج عليه أن يتحرك للإتيان بشيء يضعه في أذنه ، وتكون حركة يسيرة ، كخطوة أو خطوتين ، فإن الحركة اليسيرة في الصلاة جائزة إذا كانت لحاجة ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب لعائشة رضي الله عنها وهو في الصلاة ، وكان الباب في جهة القبلة . رواه أبو داود (922) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وينظر السؤال رقم: (12683)، (190016).
أما قطع صلاة الفريضة فلا يجوز ، لأن قطع الفريضة لا يجوز إلا لضرورة ، فيمكنه هنا أن يتمها، ويتدبر الآيات التي يقرأها بقدر ما يستطيع ؛ ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
ربما يحدث في المسجد إزعاج من بعض الصبيان فهل لأحد المأمومين أن يقطع صلاته لمنع ذلك، أو يلتفت فقط ليعرف هؤلاء لتأنيبهم فيما بعد؟
فأجاب :
"أولاً : .... أما قطع الصلاة من أجل ذلك فلا يجوز؛ لأن الإنسان إذا دخل في فرض وجب عليه إتمامه، وإزعاج هؤلاء الصبيان لا يؤدي إلى إفساد صلاة الآخرين، فليصبروا حتى تنتهي الصلاة " انتهى من " لقاءات الباب المفتوح " (94/15) الشاملة .
وأما تأخير الصلاة من أجل تلك الأصوات ، فإن كان التأخير يسيرا لا يفوت به وقت الصلاة الفاضل؛ فلا حرج في ذلك .
وأما إذا كان التأخير يخرجه عن فضيلة أول الوقت، أو يدخل به في وقت الكراهة: فصلاته في الوقت الفاضل، ولو مع ذلك الضجيج، مع الاجتهاد في التلهي عن الأصوات المزعجة، بسماعة عازلة، أو غير ذلك أفضل، وأولى.
ولعله إن أخرها عن ذلك الوقت، ثم أراد أن يصليها، طرأ من الأصوات المزعجة، مثل ما فر منه؛ فيكون قد خرج الوقت الفاضل، ولم يحصل المصلحة التي طلبها؛ إذ لا ضمانة لعدم طروء هذه الأصوات.
وأما تأخير الصلاة عن وقتها : فهو من كبائر الذنوب.
والله أعلم.
تعليق