الحمد لله.
أولا:
لا نعلم أنه ورد في الأحاديث النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل "بسم الله الرحمن الرحيم" من الأوراد التي يحافظ عليها المسلم، ولا أرشد أمته إلى ذلك.
وإنما شرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" عند بدء الأعمال الهامة، ويكون المعنى: أبدأ هذا العمل "بسم الله الرحمن الرحيم"، أي : مستعينا بالله تعالى ، مصاحبا لذكر اسمه.
قال ابن كثير رحمه الله:
"تستحب في أوّل كل عمل وقول، فتستحب في أوّل الخطبة ... وتستحب البسملة عند دخول الخلاء.. وتستحب في أوّل الوضوء ... وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة، وأوجبها آخرون عند الذكر، ومطلقا في قول بعضهم ... وهكذا تستحب عند الأكل ... ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه، وكذلك تستحب عند الجماع ...
ومن هاهنا ينكشف لك أن القولين عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء في قولك: باسم الله، هل هو اسم أو فعل، متقاربان ، وكلٌّ قد ورد به القرآن.
أما من قدره باسم، تقديره: باسم الله ابتدائي، فلقوله تعالى: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [هود: 41].
ومن قدره بالفعل أمرًا وخبرًا نحو: أبدَأ ببسم الله ، أو ابتدأت ببسم الله ، فلقوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1].
وكلاهما صحيح، فإن الفعل لا بُدّ له من مصدر، فلك أن تقدر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله، إن كان قيامًا أو قعودًا أو أكلا أو شربًا أو قراءة أو وضوءًا أو صلاة، فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في ذلك كله، تبركًا وتيمنًا واستعانة على الإتمام والتقبل، والله أعلم" انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/119).
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"قوله: بسم الله، الجار والمجرور متعلِّق بمحذوف فعلٍ مؤخَّرٍ مناسبٍ للمقام، فعندما تريد أن تقرأ تقدِّر: بسم الله أقرأُ، وعندما تريد أن تتوضَّأ تقدِّر: بسم الله أتوضَّأُ، وعندما تريد أن تذبحَ تقدِّر: بسم الله أذبحُ، وإنما قَدَّرناه فعلاً، لأن الأصلَ في العمل للأفعال، وقدَّرناه مؤخَّراً لفائدتين:
الأولى: التبرُّكُ بالبَداءة باسم الله سبحانه وتعالى.
الثانية: إفادةُ الحصر؛ لأن تقديم المتعلِّق يُفيد الحصر.
وقدّرناه مناسباً؛ لأنه أدلُّ على المُراد، فلو قلت مثلاً ـ عندما تريد أن تقرأَ كتاباً : بسم الله أبتدئُ، ما يُدْرَى بماذا تبتدئُ؟ لكن: بسم الله أقرأ، يكون أدلَّ على المراد الذي ابتدئ به" انتهى من "الشرح الممتع" (1/7).
ثانيا:
الذي يظهر أن اتخاذ "بسم الله الرحمن الرحيم" وردا يكرره المسلم كل يوم عددا معينا من المرات يدخل في حد البدعة.
قال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه...
ومنها : التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها : التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته" انتهى من "الاعتصام" (1/37-39).
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الابتداع في الدين ، وأخبرنا أن عمل المبتدع مردود عليه ، غير مقبول .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718) واللفظ لمسلم.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله : "وهذا الحديث أصلٌ عظيمٌ مِن أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أنَّ حديث "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات" ميزانٌ للأعمال في باطنها، فكما أنَّ كلَّ عملٍ لا يُراد به وجهُ الله تعالى ؛ فليس لعامله فيه ثوابٌ ، فكذلك كلُّ عملٍ لا يكون عليه أمر الله ورسوله؛ فهو مردودٌ على عامله، وكلُّ مَن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس مِن الدين في شيءٍ" انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/180).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"لا ريبَ أنَّ الأذكارَ والدعوات مِن أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتِّباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعيةُ والأذكارُ النبويَّةُ هي أفضل ما يتحرَّاه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمانٍ وسلامةٍ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنها لسانٌ، ولا يحيط بها إنسانٌ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّماً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون فيه شركٌ مما لا يهتدي إليه أكثرُ النَّاسِ، وهي جملةٌ يطول تفصيلها.
وليس لأحدٍ أنْ يَسُنَّ للنَّاسِ نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادةً راتبةً يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به...
وأما اتخاذ وردٍ غيِر شرعيٍّ، واستنانُ ذكرٍ غيرِ شرعيٍّ، فهذا مما يُنهى عنه.
ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غايةُ المطالبِ الصحيحةِ ونهايةُ المقاصدِ العليَّة ، ولا يَعدلُ عنها إلى غيرها من الأذكارِ المحدَثة المبتدعةِ إلاّ جاهلٌ أو مفرِّطٌ أو متعَدٍّ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/510-511).
والله أعلم.
تعليق