الحمد لله.
هذان الأمران لا يستويان لا أصلا ولا تعليلا:
فأما الأصل:
فالنعش على جسد المرأة تروى فيه آثار ترجع إلى قرن الصحابة رضي الله عنهم وهم خير القرون.
فروى أبو داود (3194) عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ، قَالَ:
" كُنْتُ فِي سِكَّةِ الْمِرْبَدِ، فَمَرَّتْ جَنَازَةٌ مَعَهَا نَاسٌ كَثِيرٌ، قَالُوا: جَنَازَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَتَبِعْتُهَا، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ كِسَاءٌ رَقِيقٌ عَلَى بُرَيْذِينَتِهِ، وَعَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةٌ تَقِيهِ مِنَ الشَّمْسِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الدِّهْقَانُ؟ قَالُوا: هَذَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَلَمَّا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ قَامَ أَنَسٌ فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَأَنَا خَلْفَهُ لَا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، الْمَرْأَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ. فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ، فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلَاتِهِ عَلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ جَلَسَ... ".
وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" (5/257)، والألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2/ 298).
وروى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (8/88)، أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبٌ، عَنْ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ: " أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ كَانُوا يَخْرُجُونَ بِهِمْ سَوَاءً، فَلَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، أَمَرَ عُمَرُ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَلَا لَا يَخْرُجُ عَلَى زَيْنَبَ إِلَّا ذُو رَحِمٍ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالَتْ بِنْتُ عُمَيْسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا أُرِيكَ شَيْئًا رَأَيْتُ الْحَبَشَةَ تَصْنَعُهُ لِنِسَائِهِمْ؟ فَجَعَلَتْ نَعْشًا وَغَشَّتْهُ ثَوْبًا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ، قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا، مَا أَسْتَرَ هَذَا! فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى أَنِ اخْرُجُوا عَلَى أُمِّكُمْ ".
وأورده الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (2 / 212 - 213)، بنفس الإسناد إلى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وقال محققو "السير": اسناده صحيح.
وما كان عليه الصحابة إذا لم نجد لهم مخالف، يعتبر من الأدلة الشرعية عند جمهور أهل العلم.
قال العلائي رحمه الله تعالى:
" المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم والأخذ بقولهم والفتيا به من غير نكير من أحد منهم وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا...
ومن أمعن النظر في كتب الآثار وجد التابعين لا يختلفون في الرجوع إلى أقوال الصحابي فيما ليس فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع.
ثم هذا مشهور أيضا في كل عصر لا يخلو عنه مستدل بها أو ذاكر لأقوالهم في كتبه " انتهى. "إجمال الإصابة" (ص 66 – 67).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وأما أقوال الصحابة؛ فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء، وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول. ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء، وإن قال بعضهم قولا ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر؛ فهذا فيه نزاع، وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة. ومالك؛ وأحمد في المشهور عنه؛ والشافعي في أحد قوليه، وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع " انتهى. "مجموع الفتاوى" (20 / 14).
ولهذا استحبه جمهور أهل العلم، كما سبق في سؤال رقم: (171744).
وأما أصل الاحتفال بالمولد: فهو منسوب إلى شر طوائف البدع من الفاطميين.
والمسلم منهي عن التشبه بأهل الضلال واقتفاء آثارهم.
وأما تعليلا:
فإن زيادة تستر المرأة من أمور العادة التي يستدعيها الحياء الذي فطر عليه الناس.
وأمور العادة لا تتناولها أحكام البدع، وإنما يتعلق بها النهي أو الإذن بحسب ما فيها من مصالح أو مفاسد شرعية.
وأما استحداث أعياد بقصد التعظيم لأمر من أمور الشرع، فالداعي إليه التعبد وليس العادة، والعبادات لا تشرع إلا بدليل، فمن رتب للناس عيدا يحتفلون به تقربا إلى الله تعالى بدون دليل فلا شك أنه قد ابتدع وأحدث في دين الله تعالى.
ولهذا ، فإن المتعارف عليه بين الناس أن المولد النبوي معدود عندهم في الأعياد الدينية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان:
عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم: فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع. وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى ...
ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى. وإلا دخلنا في معنى قوله: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ).
والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ) ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه ... وهذه قاعدة عظيمة نافعة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29 / 16 – 18).
وراجع للأهمية جواب السؤال رقم: (219307).
والله أعلم.
تعليق