الحمد لله.
عقوق الوالد يتناول عصيانه وفعل ما يسخطه ويغضبه، ومعاملته بغير المعروف.
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
" يقال: عق والده يعقه عقوقا فهو عاق: إذا آذاه وعصاه وخرج عليه، وهو ضد البر به. وأصله من العق: الشق والقطع " انتهى من "النهاية في غريب الحديث" (3/277).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى:
" عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما، وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية " انتهى من "تفسير القرطبي" (13/52).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى معلقا على حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ) رواه الترمذي (1899)، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (2/340).
قال الشيخ رحمه الله تعالى:
" وفي هذا الحديث: ذكر غاية البر ونهايته التي هي رضى الوالدين؛ فالإحسان موجِب وسبب، والرضى أثر ومسبِّب.
فكل ما أرضى الوالدين من جميع أنواع المعاملات العرفية، وسلوك كل طريق ووسيلة ترضيهما، فإنه داخل في البر، كما أن العقوق، كل ما يسخطهما من قول أو فعل، ولكن ذلك مقيد بالطاعة لا بالمعصية" انتهى من " بهجة قلوب الأبرار" (ص 216).
وبناء على هذا؛ فترك الدعاء للوالد من غير فعل أي شيء من التصرفات التي تسخط الوالد، لا يدخل هذا في صورة العقوق.
لكن بتركك الدعاء له تكون قد أهملت خصلة عظيمة من خصال البر، وتجنبت ما أرشد إليه الشرع، وهذا في قوله تعالى: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23-24.
وإذا كان الوالد قد قصر أو أهمل أو فرط، فحسابه على الله في ذلك كله، وليس للولد أن يحاسب أباه، ولا أن يكافئه بالإساءة إساءة، ولا بالقطيعة قطيعة؛ وإلا، فما البر والإحسان إلى الوالدين، إن كان يعامله معاملة الغريب الأجنبي؛ فيحسن إليه إن أحسن، ويسيء إليه إن أساء؟!
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا) رواه البخاري (5991).
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" اعلم أن المكافئ مقابل الفعل بمثله، والواصل للرَّحم لأجل الله تعالى، يصلها تقربا إليه وامتثالا لأمره وإن قطعت، فأما إذا وصلها حين تصله فذاك كقضاء دين، ولهذا المعنى قال: ( أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ ) - الْكَاشِح: الْمُبْغِضُ الْمُعَادِي -، وهذا لأن الإنفاق على القريب المحبوب مشوب بالهوى , فأما على المبغض فهو الذي لا شوب فيه " انتهى من "كشف المشكل" (4/ 120–121).
وليعلم العبد الموفق أنه إنما يبر والديه تديّنا، وتعبّدا لله ، وطاعة له ، لا مكافأة لهما ، حتى يقطع مكافأته إن أساءا إليه، أو فرطا في أمره.
عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الجهني، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَنَعَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَحَبَّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنْكَحَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدِ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ ) رواه أحمد (15617) وحسنه الألباني.
ويكفي الواصل في صلته: أن يكون له من الله: عون، ونصير، وظهير.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ) رواه مسلم (2558).
والله أعلم.
تعليق