الاثنين 22 صفر 1446 - 26 اغسطس 2024
العربية

هل يجوز أن ينوي الصدقة بالمال المسروق؟

410219

تاريخ النشر : 15-03-2023

المشاهدات : 5467

السؤال

أعطيت لشخص غريب النقود ليشتري لي الطعام، ولكنه ذهب، ولم يعد، وسرق النقود، ولم يرد على الهاتف، فهل يجوز أن اعتبرها صدقة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

إذا سُرق من الإنسان مالٌ فإن هذه مصيبة يكفر الله بها عنه من خطاياه .

عن عائشة رضي  الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ما مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا رواه البخاري (5640)، ومسلم (6730).

وروى مسلم (6726) عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلاَّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (10/105):

"وَوَقع فِي رِوَايَة ابن حِبَّانَ الْمَذْكُورَةِ : (إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً) وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، وَهَذَا يَقْتَضِي حُصُولَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا: حُصُولَ الثَّوَابِ، وَرَفْعَ الْعِقَابِ ، وَشَاهِدُهُ : مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: (مَا ضُرِبَ عَلَى مُؤْمِنٍ عِرْقٌ قَطُّ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ خَطِيئَةً ، وَكَتَبَ لَهُ حَسَنَةً ، وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً) وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ" انتهى.

ثانيا:

المال المسروق لا يخرج عن ملك صاحبه ، فيجوز له أن ينويه صدقة على من سرقه ، وتكون صدقة تطوع ، ولا يجوز أن ينويه من زكاة ماله ، لأن ملك صاحبه عليه ضعيف؛ أشبه الدين الذي له على غيره ، ولم يخرج من يده بنية الصدقة .

وقد قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ البقرة/267.

وروى أبو داود (1584) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِىِّ قَالَ : قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : ثَلاَثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ، وَلاَ يُعْطِى الْهَرِمَةَ وَلاَ الدَّرِنَةَ وَلاَ الْمَرِيضَةَ وَلاَ الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ ، وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"مسألة: إبراء الغريم الفقير بنية الزكاة.

صورتها: رجل له مدين فقير يطلبه ألف ريال، وكان على هذا الطالب ألف ريال زكاة، فهل يجوز أن يسقط الدائن عن المدين الألف ريال الذي عليه بنية الزكاة؟

الجواب: أنه لا يجزئ قال شيخ الإسلام: بلا نزاع، وذلك لوجوه هي:

الأول: أن الزكاة أخذ وإعطاء قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103] وهذا ليس فيه أخذ.

الثاني: أن هذا بمنزلة إخراج الخبيث من الطيب قال تعالى: وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [البقرة: 267] ووجه ذلك أنه سيخرج هذا الدين عن زكاة عين، فعندي مثلاً أربعون ألفاً، وزكاتها ألف ريال، وفي ذمة فقير لي ألف ريال، والذي في حوزتي هو أربعون ألف ريال، وهي في يدي وتحت تصرفي، والدين الذي في ذمة المعسر ليس في يدي.

ومعلوم نقص الدين عن العين في النفوس، فكأني أخرج رديئاً عن جيد وطيب فلا يجزئ.

الثالث: أنه في الغالب لا يقع إلا إذا كان الشخص قد أيس من الوفاء، فيكون بذلك إحياء وإثراء لماله الذي بيده؛ لأنه الآن سيسلم من تأدية ألف ريال" انتهى ، "الشرح الممتع" (6/237) .

فإذا لم يجز إبراء المدين واحتساب ذلك من الزكاة باتفاق العلماء ، فالصدقة على الغاصب كذلك؛ بل المغصوب أبعد ، وملك صاحبه له أضعف من الدين.

وينظر جواب السؤال رقم: (225079 ).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب