الحمد لله.
أولا:
ينبغي أن يأخذ الإنسان بالأسباب التي تؤدي للاستيقاظ لصلاة الفجر، كالنوم مبكرا، وضبط المنبه، وتوصية من يوقظه، لئلا تفوته الجماعة، فضلا عن فوات الصلاة إلى طلوع الشمس، فإن ذلك خسارة عظيمة.
ولا يأثم من غلبه النوم فلم يستيقظ، إذا كان قد احتاط عند نومه، وأخذ بأسباب الاستيقاظ للصلاة؛ لما روى الترمذي (177)، والنسائي (615)، وأبو داود (437)، وابن ماجه (698) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ : ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمَهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
ولقوله صلى الله عليه وسلم: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ رواه أبوداود في "السنن" (4403)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وهذا الابن إذا أيقظه والده ولم يعِ قوله، أو وعاه ثم غلبه النوم، فلا إثم عليه.
قال الدردير رحمه الله : " ولا يحرم النوم قبل الوقت، ولو علم استغراقه الوقت، بخلافه بعد دخول الوقت إن ظن الاستغراق لآخر الاختياري" انتهى من "الشرح الصغير" (1/233).
لكن، إذا كان يعلم ذلك من نفسه، أو كانت هذه عادته، فالذي ينبغي عليه أن يحتاط هو لنفسه، بضبط منبه هاتفه لإيقاظه، أو التأكيد على والده ألا يترك حتى يستيقظ تماما، وتندفع عنه غلبة النوم.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، سَارَ لَيْلَهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَى عَرَّسَ، وَقَالَ لِبِلَالٍ: اكْلَأْ لَنَا اللَّيْلَ، فَصَلَّى بِلَالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ، وَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمَّا تَقَارَبَ الْفَجْرُ اسْتَنَدَ بِلَالٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ مُوَاجِهَ الْفَجْرِ، فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَيْنَاهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا بِلَالٌ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا، فَفَزِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْ بِلَالُ فَقَالَ بِلَالُ: أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ - بِنَفْسِكَ، قَالَ: اقْتَادُوا ، فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللهَ قَالَ: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)طه/14، قَالَ يُونُسُ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ: (يَقْرَؤُهَا لِلذِّكْرَى). رواه مسلم (680).
وعن عبد الله بْن مَسْعُودٍ، رضي الله عنه قال: " أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ لَيْلًا، فَنَزَلْنَا دَهَاسًا مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: مَنْ يَكْلَؤُنَا؟ فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، قَالَ: إِذًا تَنَامَ، قَالَ: لَا، فَنَامَ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فِيهِمْ عُمَرُ، فَقَالَ: أَهْضِبُوا، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: افْعَلُوا مَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ، فَلَمَّا فَعَلُوا، قَالَ: هَكَذَا فَافْعَلُوا، لِمَنْ نَامَ مِنْكُمْ أَوْ نَسِيَ رواه أحمد (3657)، وأبو داود (447) وغيرهما، وصححه الألباني.
قال الحافظ ابن رجب، رحمه الله: " ونص أحمد على جواز النوم قبل العشاء -: نقله عنه حنبل. وقال عبد الله: سألت أبي عن الحديث الذي نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النوم قبل العشاء الآخرة؟ فقال: كان ابن عمر ينام قبل العشاء ويوكل من يوقظه من نومه".
ثم قال: " واستدل من لم يكره النوم قبل العشاء إذا كان له من يوقظه بأن الذي يخشى من النوم قبل العشاء هو خوف فوات وقتها المختار، أو فوات الصلاة مع الجماعة وهذا يزول إذا كان له من يوقظه للوقت أو للجماعة.
ويدل على ذلك: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما عرس من آخر الليل وأراد النوم وخشي أن تفوته الصلاة قال: (من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الصبح؟) قال بلال: أنا، فنام هو وبقية أصحابه وجلس بلال يرقب لهم الصبح، حتى غلبته عيناه، فدل على أن النوم قبل الصلاة وإن قرب وقتها إذا وكل من يوقظه غير مكروه.
وفي ذلك دليل على جواز إيقاظ النائم للصلاة المكتوبة، ولا سيما إذا ضاق وقتها، وقد تقدم أن ابن عمر كان ينام قبل العشاء ويوكل من يوقظه، وأن أحمد استدل به.
وهذا يدل على أن أحمد يرى إيقاظ النائم للصلاة المكتوبة مطلقاً، وصرح به بعض أصحابنا، وهو قول الشافعية وغيرهم.
وقال الشافعية: إنه يستحب، لاسيما إن ضاق الوقت.
واستدلوا بقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 2] ، وبأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوقظ عائشة لتوتر.
وبما روى أبو داود من حديث أبي بكرة، قال: خرجت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصلاة الصبح، فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة، أو حركه برجله.
ويدل عليه: أيضا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطرق علياً وفاطمة بالليل، ويوقظهما للصلاة.
وورد الحث على إيقاظ أحد الزوجين الآخر بالليل للصلاة.
فإذا استحب إيقاظ النائم لصلاة التطوع، فالفرض أولى.
وكان عمر وعلي - رضي الله عنهما - إذا خرجا لصلاة الصبح أيقظا الناس للصلاة. وقد روي ذلك في خبر مقتل عمر وعلي - رضي الله عنهما.
وقد خرج البخاري في (التيمم) حديث عمران بن حصين في نوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة بطوله، وفيه: " وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه" وذكر الحديث.
وهذا يفهم منه أنهم كان يوقظ بعضهم بعضاً للصلاة؛ فإن هذا المعنى غير موجود في حق أحد غير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (4/392-395).
ثانيا:
ينبغي للأب أن يجتهد في إيقاظ أولاده للصلاة، وإذا فاتتهم الجماعة، عاد فأيقظهم قبل طلوع الشمس، كما يوقظهم للذهاب للمدارس والأعمال، والصلاة أعظم من ذلك كله.
فإن ضاق وقت الصلاة، وخشي فوتها، وجب عليه أن يوقظهم، حتى يدركوا الصلاة في وقتها.
جاء في " الإنصاف " للمرداوي رحمه الله (1/389) :
" وَيَجِبُ إعْلَامُهُ – يعني النائم - إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، عَلَى الصَّحِيحِ" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لو رأيت شخصاً نائماً وقت الصلاة، هل تقول : إن النائم مرفوع عنه القلم ، فلا أوقظه ، أو توقظه ؟ طبعاً توقظه ، والعلماء قالوا: يجب إعلام النائم بدخول وقت الصلاة قبل أن يخرج وقت الصلاة" انتهى من "جلسات رمضانية" لابن عثيمين .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (217980).
والله أعلم.
تعليق