الحمد لله.
كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يفتتح القيام بركعتين خفيفتين، وأمر أمته بذلك.
روى مسلم (767) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ".
وروى مسلم (768) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قولها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين، وفي حديث أبي هريرة الأمر بذلك، هذا دليل على استحبابه لينشط بهما لما بعدهما" انتهى.
وقال السندي في حاشية المسند: "للمبادرة إلى إزالة عقدة الشيطان، أو ليحصل بهما الاستئناس بالصلاة، والله تعالى أعلم" انتهى.
وهذا لا يعارض ما جاء من أنه صلى الله عليه وسلم " يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ" : فمقصودها غير الركعتين الخفيفتين اللتين يستفتح بهما.
روى البخاري (2013)، ومسلم (738) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: " أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا".
قال الحافظ في "الفتح" (3/21): " وأما ما رواه الزهري عن عروة عنها ، كما سيأتي في باب ما يقرأ في ركعتي الفجر بلفظ: ( كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين ) : فظاهره يخالف ما تقدم، فيحتمل أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء، لكونه كان يصليها في بيته، أو : ما كان يفتتح به صلاة الليل، فقد ثبت عند مسلم من طريق سعد بن هشام عنها أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين ، وهذا أرجح في نظري؛ لأن رواية أبي سلمة التي دلت على الحصر في إحدى عشرة ، جاء في صفتها عند المصنف وغيره: "يصلي أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا" ، فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين، وتعرضت لهما في رواية الزهري، والزيادة من الحافظ مقبولة ، وبهذا يجمع بين الروايات" انتهى.
وقال في "عون المعبود" (4/144): " والجمع بين روايات عائشة -رضي اللَّه عنها- المختلفة في حكايتها لصلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- أنها ثلاث عشرة تارةً، وأنها إحدى عشرة أخرى، بأنها ضَمّت هاتين الركعتين، فقالت: ثلاث عشرة، ولم تضمهما، فقالت: إحدى عشرة، ولا منافاة بين هذين الحديثين، وبين قولها في صفة صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلى أربعًا، فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ"؛ لأن المراد: صلى أربعًا بعد هاتين الركعتين" انتهى.
وجاء عن عائشة رضي الله عنها التصريح بالركعتين مع الثمان الطوال، فقد أخرج الطحاويّ ذلك في "شرح معاني الآثار" (1/280) فقال: حدّثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا أبو حُرّة، قال: ثنا الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قام من الليل، افتتح صلاته بركعتين خفيفتين، ثم صلى ثمان ركعات، ثُم أوتر".
والحاصل:
أن الاستفتاح بركعتين خفيفتين ثابت من فعله وأمره صلى الله عليه وسلم، وأن عائشة رضي الله عنها لم تذكرهما في الرواية المشهورة ، واكتفت بذكر الثمان والطوال .
وروى مسلم عنها ذكر الركعتين مفردتين، وروى الطحاوي عنها ذكر الركعتين والثمان.
وروى البخاري (1170) عن أم المؤمنين، قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً"؛ وهذا يشمل الركعتين الخفيفتين، والثمان، والوتر.
وكل هذه أحاديث صحيحة لا تعارض بينها، وزيادة الثقة مقبولة.
والله أعلم.
تعليق