الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

لماذا نُسب في حديث "المعازف" إلى الأمة المسلمة من يستحل المحرمات؟

415225

تاريخ النشر : 16-01-2024

المشاهدات : 6345

السؤال

أردت السؤال حول لفظة-أمتي- التي وردت في حديث: ( يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، فإنّي قد تساءلت في نفسي: أنني قد سمعت أن مستحل الخمر والزنا كافر، فما الحكمة من لفظ أمتي في قوله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فهل يقصد بها الرسول أمة العرب أم أمة الإسلام؟ وإن كانت أمة الإسلام هي المقصودة، فهل هذا يعني أن مستحل الخمر والزنا ليس كافرا؟

الجواب

الحمد لله.

عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن غَنْمٍ الأَشْعَرِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ  رواه البخاري (5590).

ولا إشكال في الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من أمتي) وبين قوله : (يستحلون) ، ويتضح ذلك ببيان معنى (أمتي) ومعنى (يستحلون).

أولا :

لفظ (الأمة) إذا أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يراد به أحد معنيين :

الأول : أمة الإجابة ، وهم الذين استجابوا للرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا به .

المعنى الثاني : أمة الدعوة ، وهم الذين أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليدعوهم إلى الله ، وهذا يشمل جميع الإنس والجن إلى يوم القيامة ، من آمن منهم ومن لم يؤمن .

علَّق الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله على قول النبي صلى الله عليه وسلم : (وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) قائلا : "المراد بالأمة هنا : أمة الإجابة ، لأن أمة الدعوة تشمل اليهود والنصارى والمشركين ، لكن المراد بذلك أمة الإجابة الذين ينسبون إلى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "شرح العقيدة السفاريين" (ص94) .

ثانيا :

أما قوله صلى الله عليه وسلم : (يستحلون) فقد فسَّره العلماء بعدة معانٍ .

المعنى الأول:

الاستحلال بمعنى معاندة الشرع واعتقاد تحليل ما حرّم الله تعالى، فهذا كفر، ويكون وصفهم بلفظ: ( مِنْ أُمَّتِي )، إما باعتبار حالهم قبل الاستحلال، أو باعتبار ما يتسمّى به هؤلاء المستحلون وما يدّعونه من الانتساب إلى الإسلام رغم خروجهم منه بهذا الاستحلال.

قال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى:

" قوله (مِنْ أُمَّتِي) قال ابن التين : قوله (مِنْ أُمَّتِي) يحتمل أن يريد من تسمى بهم، ويستحل ما لا يحل؛ فهو كافر إن أظهر ذلك، ومنافق إن أسره " انتهى من "عمدة القاري" (21 / 176).

المعنى الثاني:

يستحلونها، ويذهبون إلى عدم حرمتها بتأويلات فاسدة، مع إظهارهم عدم معاندة الشرع، فينسبون إلى الأمة بحسب ظاهرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" إنما ذاك إذا استحلوا هذه المحرمات بالتأويلات الفاسدة.

فإنهم لو استحلوها، مع اعتقاد أن الرسول حرمها: كانوا كفارا، ولم يكونوا من أمته ، ولو كانوا معترفين بأنها حرام، لأوشك أن لا يعاقبوا بالمسخ كسائر الذين لم يزالوا يفعلون هذه المعاصي، ولَما قيل فيهم: (يستحلون)؛ فإن المستحل للشيء هو الذي يأخذه معتقدا حله، فيشبه أن يكون استحلالهم الخمر يعني به أنهم يسمونها بغير اسمها. كما جاء الحديث، فيشربون الأنبذة المحرمة ولا يسمونها خمرا، واستحلالهم المعازف باعتقادهم أن آلات اللهو مجرد سمع صوت فيه لذة؛ وهذا لا يحرم كألحان الطيور...

ومعلوم أنها (يعني : تلك التأويلات الفاسدة) لا تغني عن أصحابها من الله شيئا، بعد أن بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيّن تحريم هذه الأشياء بيانا قاطعا للعذر.

ثم رأيت هذا المعنى قد جاء في هذا الحديث: رواه أبو داود أيضا وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير ). هذا لفظ ابن ماجه: وإسنادهما واحد" انتهى. "الفتاوى الكبرى" (6 / 29 – 30).

وقال ابن المنير رحمه الله تعالى:

" ( مِنْ أُمَّتِي )؛ فإن كونهم من الأمة يبعد معه أن يستحلوها بغير تأويل ولا تحريف؛ فإن ذلك مجاهرة بالخروج عن الأمة، إذ تحريم الخمر معلوم ضرورة " انتهى من "المتواري" (ص 213).

المعنى الثالث:

أن الاستحلال هنا هو بالتمادي في فعل هذه المحرمات مع اعتقادهم حرمتها، فيكونون بسبب كثرة فعلهم لهذه المحرمات، كحال من يعتقد حلّها.

قال ابن العربي رحمه الله تعالى:

" قوله: ( يستحل ناس من أمتى الحر والحرير والخمر والمعازف )، يحتمل أن يكون قوله: ( يستحلون الحر ) وما ذكر معه حقيقة، أي يعتقدون ذلك حلالا.

ويحتمل أن يكون مجازا؛ تقديره: يسترسلون فيه استرسال العبد في الحلال؛ كأنه حلال.

وقد سمعنا ذلك فيما تقدم، ورأيناه فيمن عاصرنا " انتهى من "عارضة الأحوذي" (8/52).

وعلى هذا يتضح معنى الحديث : فإن كان الاستحلال كفرا ، فالمراد بالأمة أمة الدعوة ، أو أمة الإجابة ، باعتبار أنهم كانوا منها ثم خرجوا إلى الكفر.

وإن كان الاستحلال ليس كفرا ، فالمراد بالأمة أمة الإجابة .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب