الحمد لله.
أولاً:
الخبر المذكور: رواه الإمام أحمد في "المسند" (41/49)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: (يَا عَائِشَةُ، اسْتَتِرِي مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ مَسَدَّهَا مِنَ الشَّبْعَانِ).
لكن إسناده ضعيف؛ لأن المطلب بن عبد الله لم يثبت له سماع من عائشة رضي الله عنها.
قال أبو زرعة العراقي رحمه الله تعالى:
" المطلب بن عبد الله بن حنطب:
قال أبو حاتم: عامة روايته: مرسل.
... وقال مرّة: لم يدرك عائشة.
وقال مرّة أخرى: عامة حديثه مراسيل، لم يدرك أحدا من الصحابة إلا سهل ابن سعد، وأنس بن مالك، وسلمة بن الأكوع، ومن كان قريبا منهم...
قال العلائي: قال البخاري: لا أعرف للمطلب بن حنطب عن أحد من الصحابة سماعا إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يعني الدارمي يقول مثله...
وقال أبو زرعة: أرجو ان يكون سمع من عائشة.
وقال أبو حاتم: لم يدرك عائشة، ويشبه أن يكون أدرك جابرا " انتهى من "تحفة التحصيل" (ص 307).
لكن قد روى الإمام أحمد نحوه بإسناد رواته ثقات كما في "المسند" (41/ 505-506)، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ).
وقال محققو المسند: "إسناده صحيح".
وقد رواه البخاري (1417)، ومسلم (1016) من حديث عَدِيّ بْن حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ).
وفي لفظ عند مسلم: (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ).
ثانيا:
قال النووي، رحمه الله: " شق التمرة: بكسر الشين : نصفها وجانبها.
وفيه الحث على الصدقة ، وأنه لا يمتنع منها لقلتها ، وأن قليلها سبب للنجاة من النار" انتهى، من "شرح مسلم" (7/101).
وقال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: " ولأحمد من حديث ابن مسعود مرفوعا بإسناد صحيح: (ليتق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة)، وله من حديث عائشة بإسناد حسن يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان ولأبي يعلى من حديث أبي بكر الصديق نحوه وأتم منه بلفظ تقع من الجائع موقعها من الشبعان وكأن الجامع بينهما في ذلك حلاوتها وفي الحديث الحث على الصدقة بما قل وما جل وأن لا يحتقر ما يتصدق به وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار" انتهى من "فتح الباري" (3/284).
وقال أبو زرعة العراقي، رحمه الله: "من كرم الله تعالى: أنه ينيل الإنسان الفوز بالجنة والنجاة من النار، بالعمل اليسير. كما جاء في حديث عدي بن حاتم في الصحيح: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )، وكما قال في الحديث الآخر: ( لا تحقرن من المعروف شيئا )" انتهى من "طرح التثريب" (7/68).
وفي الحديث، كما سبق في كلام أهل العلم: بيان فضل الصدقة، والحث عليها، وألا يحقر المرء من المعروف شيئا؛ فإنه نافع لمن يعطيه، وإن قل. والقليل مع القليل: كثير. ثم هو نافع للمتصدق يوم القيامة، فعسى الله أن يتقبلها منه، ويريبها له، فتكون عنده أمثال الجبال.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ ) رواه البخاري (7430)، ومسلم (1014).
قال الوزير ابن هبيرة، رحمه الله:
" وقوله: (من كسب طيب)؛ فإن الله تعالى إنما يثيب العبد على ما أنفق من ماله، وإذا أنفق من مال مغصوب (٤٠/ أ) لم يكن قد أنفق ماله؛ إنما أنفق من مال غيره؛ فلم يكن من المنفقين أموالهم كما قال عز وجل: الذين ينفقون أموالهم؛ فإذا أنفق من ماله فهو الذي يأجره الله عليه، وذلك هو الكسب الطيب، وهو الذي يكسبه بالشرع، فقد طابت طرق حصوله، وينبغي له ألا يزدري النذر من الإنفاق؛ فإنه سيربو في التضعيف أضعاف ما يأمل المتصدق به.
* الفلو: المفطوم، يقال: فلوته عن أمه؛ أي فطمته.
والفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أمه، وأصله من القطع." انتهى من "الإفصاح" (6/257).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (227958) ، (428151 )
والله أعلم.
تعليق