الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

سبب اختلاف ألفاظ قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن

421880

تاريخ النشر : 29-07-2023

المشاهدات : 8024

السؤال

هناك 3 روايات لقصة إبراهيم عليه السلام والملائكة الذين زاروه، في سورة هود/69-76، الحجر/51-60، والذاريات: 24-31؟ يقول الناس: إن هذه الروايات تناقض بعضها البعض. على سبيل المثال: في سورة هود يتم الرد على الخوف من إبراهيم عليه السلام بـ (قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ)، بينما في سورة الحج تم الرد ببشارة إسحاق عليه السلام. والشيء الآخر الذي يذكرونه هو أن الملائكة في سورة هود أخبرت مباشرة زوجة إبراهيم بخبر إسحاق ويعقوب عليهم السلام، فعلوا ذلك؛ لأنها ضحكت عندما سمعت أن الملائكة أُرسلوا إلى أهل لوط عليه السلام. بينما في سورة الذاريات سمعت ببساطة خبر بشارة إسحاق لإبراهيم عليهم السلام، ولم يتم إخبارها ردًا على ضحكها من أنباء إرسال الملائكة إلى قوم لوط عليه السلام، هذه بعض التناقضات المزعومة.

الجواب

الحمد لله.

وردت قصة إبراهيم عليه السلام مع رسل الله في أكثر من سورة، فقد وردت في سورة هود، (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦))هود/69-76.

وقال سبحانه، في سورة الحِجْر: (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) الحجر/51-58.

وقال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ* فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ)الذاريات/24-32.

وقد ذكر العلماء ما في هذه الآيات من أسرار، وأظهروا ما فيها، ونحن نرتبها على مسائل:

الأولى: رد إبراهيم عليه السلامُ السلامَ.

وقال الشيخ "الشنقيطي": "قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ) هود/ 69.

هذه الآية الكريمة تدل على أن إبراهيم رد السلام على الملائكة.

وقد جاء في سورة الحجر ما يوهم أنهم لما سلموا عليه أجابهم بأنه وَجلَ منهم مِنْ غير رَدِّ السلام، وذلك قوله تعالى: (فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52))الحجر/52.

والجواب ظاهر، وهو: أن إبراهيم أجابهم بكلا الأمرين، ردِّ السلام، والإخبارِ بوجله منهم، فذكر أحدهما في هود، والآخر في الحجر.

ويدل لذلك ذكر تعالى ما يدل عليهما معًا في سورة الذاريات في قوله: (فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25))الذاريات/25؛ لأن قوله مُنْكَرُونَ (25) يدل على وجله منهم.

ويوضح ذلك قوله تعالى: (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) في هود والذاريات، مع أن في كل منهما قَالَ سَلَامٌ"، انتهى من "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" (169-171).

الثانية: البشرى بالغلام.

لا تعارض بين تبشير إبراهيم وسارة عليهما السلام؛ "إذ إن الولد لإبراهيم عليه السلام ولزوجته، فالبشرى لهما، أو لأحدهما: بشرى للجميع، ‌فبشروه أولا، ثم بشروها ثانيًا، فالأصل: أن البشرى لإبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى: (قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم * قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين} [الحجر: 53 - 55]، ثم كانت البشرى لزوجته، قال تعالى: {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب)هود/71.

وفي هذه الآيات - من سورة هود - يتضح الأمر أن البشرى له، ثم لها أيضًا، قال تعالى: (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط * وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب)هود/69 - 71.

 وفي تعيين سارة زوجة إبراهيم عليه السلام بالبشرى أسباب، منها:

1 - إيذان بأن ما بشر به يكون منها، إذ إن إبراهيم عليه السلام له زوجة أخرى.

2 - لكونها عقيما، وحريصة على الولد، وقد كان ولد لإبراهيم من هاجر أمته.

3 - لعظم فرحها بالولد ولربما زاد على فرح الزوج في هذه الحالة.

4 - مكافأة لها على خدمتها"، انتهى من "موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام" (6/ 25 - 26).

ومن اللطائف ما ذكره "د. فاضل السامرائي"، قال: " من الواضح البيّن أنَّ ثمة تشابهًا ‌ظاهرًا ‌في ‌محتوى ‌القصتين، وتقاربًا في التعبير بينهما إلى درجة كبيرة، غير أن هناك جملة اختلافات بينهما أبرزها:

إنه وصف الضيف في سورة (الذاريات) بأنهم (مكرَمون) فقال: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين، ولم يصفهم بذاك في سورة (الحجر) بل قال: وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ وقد أدى هذا إلى الاختلاف بين السياقين في أمور عدة منها:

1- إنه ذكر في سورة الذاريات، أن إبراهيم، عليه السلام، ردّ التحية عليهم حين حيَّوه فقال: فَقَالُواْ سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ، ولم يذكر ذلك في الحجر. وإنما ذكر أنهم حيوه، ولم يذكر أنه رد التحية عليهم. ولا شك أن رَدَّ التحية هو الذي يقتضيه الإكرام. فلما وصفهم بأنهم مكرمون ناسب ذلك ذكر رد التحية، فإنه من إكرامهم.

إنه ردّ التحية عليهم بخيرٍ من تحيتهم، فإنهم حيّوه بالنصب سَلَامًا وحياهم بالرفع سَلَامٌ . فهم حيّوه بالجملة الفعلية الدالة على الحدوث والتجدد، أي: نُسلّمُ سلامًا، وهو قد حياهم بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت؛ والاسم أقوى وأثبت من الفعل، كما هو معلوم في اللغة، وكما مَرَّ توضيحه في سورة الفاتحة، وذلك نحو يطّلع ومطّلع، ويتعلّم ومتعلِّم.

فهو حياهم بالسلام الشامل الثابت الدائم فيكون قد حياهم بخيرٍ من تحيتهم...

جاء في (التفسير الكبير) : "إن إبراهيم، عليه السلام، أراد أن يرد عليهم بالأحسن فأتى بالجملة الاسمية، فإنها أدل على الدوام والاستمرار".

3- ذكر في سورة الذاريات، أنه جاءهم بعجل، ووصف هذا العجل بأنه سمين، وقَرَّبه إليهم ليأكلوه. وهذا مما يدل على تكريم ضيفه واحتفائه بهم، ولم يقل مثل ذلك في (الحجر) . وكلٌّ من الحالين المذكورين هو المناسب لموطنه وسياقه.

4- ذكر في آيات (الذاريات) أنه أوجس منهم خيفة، ولم يواجه ضيفه بما أحسَّ في نفسه. في حين أنه واجههم بذاك في سورة الحجر، فقال مخاطبًا إياهم: إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ.

وواضح أن ما جاء في آيات الذاريات هو المناسب لمقام الإكرام، فليس مناسبًا لجو التكريم أن يعلن لضيفه، أنه غير مطمئنٍّ إليهم، وأنه منهم وَجِلٌ.

وهكذا ترى أن كل تعبير هو المناسب للسياق الذي ورد فيه.

5- أظهر التعبير أن حالة الخوف والوجل في آيات الحجر، أكثر مما هي في آيات الذاريات؛ فإنه واجه ضيفه بالخوفِ منهم، في سورة (الحجر) بالجملة الاسمية المؤكدة بـ (إن)، وجاء مع ذلك بالصفة المشبهة (وَجِلُون)، الدالة على شدة الخوف، ثم أخرجه مخرج العموم والشمول لأهل البيت أجمعين، فذكره بصورة الجمع: إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ . في حين ذكر ذلك في (الذاريات) بالجملة الفعلية غير المؤكدة، فقال: فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً وذكره بصورة الإفراد.

ولا شك أن الحالة النفسية لسيدنا إبراهيم، عليه السلام، وما صَرَّحَ به من شدة الفزع، جعلت المقام لا يتناسب هو وذكر التكريم؛ فإن التكريم يحتاج إلى انشراح نفسي وانفتاح، وهو غير موجود في آيات (الحجر) ، بل إن كل تعبير فيها يدل على القلق وعدم الارتياح؛ فناسبَ كُلُّ تعبيرٍ موطِنَهُ.

6- ولما واجههم بالخوف منهم والوجل في سورة (الحجر) واجهوه بالبشرى، فإنه لما قال لهم: إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالوا له: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ. ولما لم يواجههم بذلك في سورة الذاريات، بل ذكره بصيغة الغيبة: فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً، لم يواجههوه بالبشرى بل وردت بصغية الغيبة أيضًا (وبشروه)؛ فكان التعبير في المواطنين على النحو الآتي:

الحجر: إنا منكم وجلون … إنا نبشرك بغلام عليم

الذاريات: فأوجس منهم خيفة … وبشروه بغلام عليم

فناسب كل تعبير موطنه وسياقه.

7- لما ذكر الوجل منهم بالصيغة الاسمية في سورة الحجر: إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ بشروه بالجملة الاسمية أيضًا (إِنَّا نُبَشِّرُكَ).

ولما ذكر الخوف منهم بالصيغة الفعلية في سورة الذاريات: (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) بشروه بالصيغة الفعلية أيضًا: (وَبَشَّرُوهُ).

انتهى، ملخصا من "لمسات بيانية في نصوص من التنزيل" (83 - 89)، وفيه لطائف أخرى يمكن مراجعتها فيه.

وينظر جواب السؤال (448903)
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب