الحمد لله.
أولا:
التوراة كلام الله تعالى، كما قال الله تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة/75.
فكتاب الله التوراة غير مخلوق.
وصح في السنة النبوية الصحيحة أن الله تعالى كتب التوراة بيده، من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى. ثَلاَثًا ) رواه البخاري (6614)، ومسلم (2652)، وفي رواية عنده ( كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ ) ورواه أبو داود (4701)، وابن ماجه (80) وغيرهما بلفظ: (وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ).
ثانيا:
أما لفظ: (لم يخلق الله بيده غير ثلاث...) فهو من كلام كعب الأحبار، كما رواه عبد الرزاق في "التفسير" (2 / 412)، قَالَ: أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ )، قَالَ: كَعْبٌ: " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثَةً: خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَالتَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ … ".
ورواه الدارمي في "نقضه على المريسيّ الجهميّ " (ص 93 - 94)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المِنْهَالِ، حدثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثَنَا سَعِيدُ بن أبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: " لَمْ يَخْلُق اللهُ غَيْرَ ثَلَاثٍ؛ خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ … ".
وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وموقوفا بأسانيد لا تصح، من ذلك:
ما رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "السنة" (2 / 484 – 485)، عن حَسَن بْن أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ، وَسَائِرُ ذَلِكَ قَالَ: لَهُ كُنْ فَكَانَ، خَلَقَ الْقَلَمَ بِيَدِهِ، وَآدَمَ بِيَدِهِ، وَالتَّوْرَاةَ كَتَبَهَا بِيَدِهِ، وَجَنَّاتِ عَدْنٍ بِيَدِهِ).
وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف حسن بن أبِي جعفرٍ.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" الحسن بن أبي جعفر الجفرى، بصري معروف...
قال الفلاس: صدوق منكر الحديث.
وقال ابن المديني: ضعيف، ضعيف.
وضعفه أحمد والنسائي.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال مسلم بن إبراهيم: كان من خيار الناس رحمه الله...
وقال ابن معين: ليس بشئ.
وهو الحسن بن عجلان " انتهى من "ميزان الاعتدال" (1/482).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" الحسن ابن أبي جعفر الجُفري ... ضعيف الحديث مع عبادته وفضله " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص159).
وكذا علي بن زيد وهو ابن جدعان قد ضُعّف.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي البصري، أصله حجازي، وهو المعروف بعلي ابن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جد جده: ضعيف " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص401).
ورواه أبو الشيخ في "العظمة" (5/1555)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (2/125)، والدارقطني في "الصفات" (ص26 – 27)، وغيرهما: عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَخِيهِ عبد الله بن عبد الله بن الحارث، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ: خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ الْفِرْدَوْسَ بِيَدِهِ ).
وهذا الإسناد ضعيف:
لإرساله، قال البيهقي عقب روايته للحديث: "هذا مرسل ".
قال العلائي رحمه الله تعالى:
" عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب...
ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتي به فحنكه ودعا له، ذكره بن عبد البر في الصحابة كذلك. ولا صحبة له بل ولا رؤية. وحديثه مرسل قطعا " انتهى من "جامع التحصيل" (ص 208).
ولجهالة حال عون بن عبد الله بن الحارث.
فالحاصل؛ أنه لا يثبت نص من الوحي يصف التوراة بأنها مخلوقة.
وعلى فرض ثبوت هذه الأخبار، فيكون إطلاق خلق اليد، على كتابة الله جل جلاله التوراة لموسى بيده، من باب: التغليب، لما كان الأمران المذكوران مع كتابة التوارة، مخلوقين باليد، جمع الثلاثة بلفظ: "خلق"، والمراد في التوراة: الكتابة، وإنما هي كلام الله غير مخلوق.
قال الشيخ عبد الله الغنيمان في هامش تحقيقه لكتاب "الصفات" للدارقطني (ص 27):
" هذا من باب التغليب ولا يلزم أن تكون الثلاثة كلها مخلوقة، لأن كتابة التوراة من أفعال الله تعالى التي هي من صفاته " انتهى.
ومما يدل على قصد التغليب: ما جاء في لفظ الحديث، في تفصيل الثلاثة الأشياء التي أجملت، فإنه غاير بين آدم، فقال: ( خلق ) ، وبين التوراة ، فقال: ( كتب ) ؛ ولو كان الجميع شأنا واحدا في الخلق، لأوشك أن يقول في تفصيلهن: آدم، وجنة عدن، والتوراة. أو نحو ذلك مما يجعل الثلاثة مساقا واحدا في الخلق.
والله أعلم.
تعليق