الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

لماذا لا تنفع التوبة عند الموت؟

444225

تاريخ النشر : 03-07-2024

المشاهدات : 2905

السؤال

لماذا اذا تاب الانسان وقت وفاته لا تنفعه التوبة وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم عمه ابو طالب وقت الوفاة

الجواب

الحمد لله.

إذا تاب العبد أو آمن قبل أن يشرع في النزع، وهو الغرغرة، أي وصول الروح إلى الحلقوم: قبلت توبته وإيمانه، فإن شرع في النزع لم يقبل منه.

ودليل ذلك:

قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا النساء/17، 18.

وروى البخاري (4772)، ومسلم (24)عن المُسَيِّبِ قَالَ: " لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ المُغِيرَةِ، فَقَالَ: أَيْ عَمِّ قُلْ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ  فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ المَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة: 113] وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص: 56].

وروى البخاري (1356) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ.

وروى أحمد (6160)، والترمذي (3537)، وابن ماجه (4253) عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ وحسن إسناده الألباني وشعيب.

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (1/213): "(باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت؛ ما لم يشرع في النزع، وهو الغرغرة".

وذكر حديث وفاة أبي طالب.

قال: " وأما قوله (لما حضرتْ أبا طالب الوفاة): فالمراد قرُبت وفاته، وحضرت دلائلها، وذلك قبل المعاينة والنزع؛ ولو كان في حال المعاينة والنزع لما نفعه الإيمان، لقول الله تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال انى تبت الآن).

ويدل على أنه قبل المعاينة: محاورته للنبي صلى الله عليه وسلم، ومع كفار قريش.

قال القاضي عياض رحمه الله: وقد رأيت بعض المتكلمين على هذا الحديث، جعل الحضور هنا على حقيقة الاحتضار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رجا بقوله ذلك حينئذ أن تناله الرحمة ببركته صلى الله عليه وسلم، قال القاضي رحمه الله: وليس هذا بصحيح؛ لما قدمناه" انتهى.

وقال في (2/45): " وقد أجمع العلماء رضي الله عنهم على قبول التوبة ما لم يغرغر" انتهى.

وكذلك لا تُقبل التوبة والإيمان عند طلوع الشمس من مغربها، كما قال الله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ الأنعام/158.

وروى مسلم (2759) عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا.

ولا تقبل التوبة عند معاينة العذاب؛ لقوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ غافر/84-85.

والسبب في عدم قبول الإيمان أو التوبة عند الغرغرة، انقطاع التكليف؛ لأن من وصل إلى الغررة، غُلِب على عقله ونفسه؛ فلم يعقل التوبة.

قال الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (ثم يتوبون من قريب): " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: تأويله: ثم يتوبون قبل مماتهم، في الحال التي يفهمون فيها أمر الله تبارك وتعالى ونهيَه، وقبل أن يُغلبوا على أنفسهم وعقولهم، وقبل حال اشتغالهم بكرب الحَشْرجة، وغمّ الغرغرة، فلا يعرفوا أمر الله ونهيه، ولا يعقلوا التوبة، لأن التوبة لا تكون توبة إلا ممن ندم على ما سلف منه، وعزمٍ منه على ترك المعاودة، وهو يعقل الندم، ويختار ترك المعاودة.

فأما إذا كان بكرب الموت مشغولا، وبغمّ الحشرجة مغمورًا: فلا إخالُه إلا عن الندم على ذنوبه مغلوبًا. ولذلك قال من قال: "إن التوية مقبولة، ما لم يغرغر العبد بنفسه"" انتهى من "تفسير الطبري" (8/ 96).

والحاصل:

أن هذه التوبة تقبل في حال التكليف والاختيار، وهذه الحال يصح فيها الإيمان أيضا، وينفع صاحبه، كما يضره فيها الكفر، ويهلكه.

ومن الدليل على ذلك: إيمانُ الغلام اليهودي، ونجاته من النار، وقد شارف الموت، ولم يلبث بعد ذلك كبير شيء.

ثم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب، وقد حضرته الوفاة؛ ولولا أن إيمانه ينفعه في تلك الحال – لو كان قد آمن - ؛ ما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إليه؛ لكن أبى أن يقول كلمة الإسلام، ومات على كفره.

وأما عند خروج الروح: فهذه لا يصح فيها إيمان عبد لم يكن آمن من قبل، كما لا يحكم عليه بكفر، إن كان قد آمن من قبل؛ ؛ لانقطاع التكليف بالغرغرة؛ وإنما يستمر كل امرئ على ما كان عليه من إيمان وكفر قبل تلك الحال؛ فينطق بلا إله إلا الله، أو ينطق بالكفر تبعا لما هو عليه في الحقيقة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب