الحمد لله.
الشك في الصلاة، نوعان:
النوع الأول:
أن يكون الشك في الدخول فيها، وذلك بأن يشك هل نوى أو لا؟ أو هل كبر تكبيرة الإحرام أو لا؟
ففي هذه الحال يجب أن يبدأ الصلاة من جديد بنية وتكبير؛ لأن الشك كعدم الفعل.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" فإن شك في أثناء الصلاة، هل نوى أو لا؟ أو شك في تكبيرة الإحرام: استأنفها؛ لأن الأصل عدم ما شك فيه؛ فإن ذكر أنه كان قد نوى أو كبر قبل قطعها، أو أخذ في عمل، فله البناء؛ لأنه لم يوجد مبطل لها.
وإن عمل فيها عملا مع الشك، فقال القاضي: تبطل. وهذا مذهب الشافعي؛ لأن هذا العمل عري عن النية وحكمها... " انتهى. "المغني" (2 / 135).
وقال ابن جزي المالكي رحمه الله تعالى:
"من نسي تكبيرة الإحرام أو شك فيها: إن كان فَذًّا [أي : منفردا]، أو إماما: قطع متى ذكر، وأحرم وابتدأ.
وإن كان مأموما، فله ثلاثة أحوال: إن كبر للركوع ونوى به الإحرام: أجزأه، خلافا للشافعي.
وإن كبر للركوع، ولم ينو به الإحرام: تمادى [أي : أتم صلاته]، مراعاة للخلاف ثم أعاد.
وإن لم يكبر للركوع ولا للإحرام: قطع، وكبر، وابتدأ، ولم يحتسب بما مضى " انتهى. "القوانن الفقهية" (ص 53).
ويستثنى من هذا من كان كثير الشك والوسوسة، فهذا يستمر في صلاته ولا يعيد.
وراجع للأهمية جواب السؤال رقم (171689)، ورقم (69853).
النوع الثاني:
الشك في واجبات الصلاة التي بعد تكبيرة الإحرام، فهذه لا تبطل الصلاة، وقد نص الرسول صلى الله عليه وسلم أن من شك في مثل هذا عليه أن يتحرى غلبة الظن –إن غلب على ظنه شيء- ، فإن لم يغلب على ظنه شيء عمل بما يتقين، وهو الأقل ، ثم يسجد للسهو.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا، شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ) رواه مسلم (571).
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ) رواه الترمذي (398) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ "، ورواه ابن ماجه (1209)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (3 / 341).
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ صَلاَةَ الظُّهْرِ، فَزَادَ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ؟
قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَاتَانِ السَّجْدَتَانِ لِمَنْ لاَ يَدْرِي: زَادَ فِي صَلاَتِهِ أَمْ نَقَصَ، فَيَتَحَرَّى الصَّوَابَ، فَيُتِمُّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ) رواه البخاري (6671) ومسلم (572).
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" ولا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال في الساهي في صلاته أن يقطع ويستأنف، وإن كان ذلك قد روي عن بعض الصحابة وعن جماعة من التابعين؛ وإنما ترك الفقهاء ذلك والله أعلم لحديث أبي سعيد هذا، ولمثله من الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في إصلاح صلاته، نحو حديث ذي اليدين، وحديث ابن مسعود فيمن صلى خمسا ساهيا، وحديث ابن بحينة وغيره فيمن قام من ركعتين ونحو ذلك من الآثار. والله أعلم " انتهى. "التمهيد" (5 / 29).
وقال ابن القطان رحمه الله تعالى:
" وأجمع العلماء على أن من شك في الصبح هل صلى واحدة أو اثنتين أن حكمه حكم من شك في ذلك من الظهر وشبهها؛ كل على أصله، من قال منهم بالتحري، ومن قال بالبناء على اليقين " انتهى. "الإقناع" (1 / 157).
والله أعلم.
تعليق