الثلاثاء 23 صفر 1446 - 27 اغسطس 2024
العربية

كيف يكلم القرآن القارئ ويقول له: أنا صاحبك، وهو كلام الله؟!

445393

تاريخ النشر : 14-03-2023

المشاهدات : 8438

السؤال

السلام عليكم وبعد.
سنن الدارمي ومن كتاب فضائل القرآن. | باب في فضل سورة البقرة وآل عمران
3434 حدثنا أبو نعيم ، حدثنا بشير - هو ابن المهاجر - حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول : " تعلموا سورة البقرة ؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة ". ثم سكت ساعة، ثم قال : " تعلموا سورة البقرة وآل عمران ؛ فإنهما الزهراوان ، وإنهما تظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان ، أو فرقان من طير صواف ، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه القبر كالرجل الشاحب، فيقول له : هل تعرفني ؟ فيقول : ما أعرفك. فيقول : أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة. فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما الدنيا، فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال لهما : بأخذ ولدكما القرآن. ثم يقال له : اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها. فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا ".
حكم الحديث: إسناده حسن
سنن ابن ماجه ( 3781 )، مسند أحمد ( 22950, 22975, 22976, 23049 ).

هذا الحديث حسنه الشيخ الألباني و أخذ الشيخ المنجد بتحسينه لكن ضعفه الشيخ العدوي وهذا القول الذي أتبعه
لكن هناك شيء لم أفهمه
إن صح هذا الحديث عن الرسول ﷺ كيف للقرآن أن يقول أنا صاحبك القران
أليس القران كلام الله و القران ليس بمخلوق
كيف لكلام الله أن يقول أنا صاحبك أنا كلام الله إلا إذا كان مخلوقا (حاشاه)
فالمخلوقات تتكلم ولكن كلام الله ليس بمخلوق حتى يتكلم

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

عَنْ بريدة بن االحصيب رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: (تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ).

ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: (تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ، وَإِنَّهُمَا تُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ غَيَايَتَانِ، أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ. فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ لَهُمَا: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا. فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا).

أخرجه أحمد(22950، 22975، 22976، 23049)، والدارمي(3434)، وابن ماجه(3781).

والحديث حسنه ابن كثير في "تفسره" (1/62)، وقال محققو المسند: "إسناده حسن في المتابعات"، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2829).

ثانيًا:

ليس المراد بهذا الحديث أن "القرآن" نفسه، الذي هو كلام الله، يأتي يوم القيامة، فيكلم حامل القرآن، ويقول له: أنا صاحبك؛ وإنما الذي يأتيه يوم القيامة، فيكلمه: هو ثواب هذا العمل الذي عمله.

قال الإمام أحمد رحمه الله، في الرد على احتجاج الجهمية بهذا الحديث على مذهبهم في خلق القرآن:

" فقالوا: جاء الحديث: "إن القرآن يجيء في صورة الشاب الشاحب، فيأتي صاحبه فيقول: هل تعرفني؟ فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن أظمأت نهارك وأسهرت ليلك" 1.

قال: فيأتي به الله فيقول: يا رب.

فادعوا أن القرآن مخلوق من قبل هذه الأحاديث.

فقلنا لهم: القرآن لا يجيء إلا بمعنى: أنه قد جاء من قرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . فله كذا وكذا. ألا ترون أن من قرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا يجئه إلا بثوابه، لأننا نقرأ القرآن فيقول: يا رب. لأن كلام الله لا يجيء، ولا يتغير من حال إلى حال. وإنما معنى: أن القرآن يجيء إنما يجيء ثواب القرآن". انتهى، من "الرد على الزنادقة والجهمية" (166).

ويقول الإمام عثمان بن سعيد الدارمي، في رده على بشر المريسي:

" قد فسرنا هذا لهذا المعجب بجهالته، في كتابنا هذا: أن القرآن كلام الله، ليس له صورة، ولا جسم، ولا يتحول صورة أبدا، له فم ولسان ينطق به ويشفع. فقد عقل ذلك جميع المسلمين.

فلما كان المعقول ذلك عندهم، علموا أن ذلك ثواب يصوره الله في أعين المؤمنين، جزاء لهم عن القرآن الذي قرأوه، واتبعوا ما فيه، ليبشر به المؤمنين؛ ونفس القرآن: كلام غير مجسم في كل أحواله، إنما يحسُّ به إذا قرئ، فإذا زالت عنه القراءة، لم يوقف له على جسم ولا صورة، إلا أن يرسم بكتاب. هذا معقول لا يجهله إلا كل جهول.

قد علمتم ذلك إن شاء الله ولكنكم تغالطون، والعلماء بمغالطتكم عالمون ولضلالتكم مبطلون. ويكفي العاقل أقل مما بينا، وشرحنا عن مذاهبكم، غير أن في تكرير البيان شفاء لم في الصدور" انتهى، من "نقض الإمام عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد" (1/570).

وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم: (91306).

ولفظ الحديث المذكور يدل بنفسه على ذلك؛ فإن حامل القرآن ليس هو صاحب "القرآن" الذي هو كلام الله، ولا القرآن منسوب إليه، بل هو كلام رب العالمين، وصفة من صفاته.

وإنما للعبد من القرآن: عمله، الذي هو تلاوته، وحفظه، ونحو ذلك؛ فالعبد صاحب هذا العمل، والذي يأتيه يوم القيامة، هو عمله، أو ثواب عمله، كما سبق نقله عن أئمة السنة.

يقول الشيخ حافظ حكمي في: "معارج القبول": "والقول في الموزون (أي ما يوضع في كفة الميزان يوم القيامة) على ثلاثة أوجه:

 الأول: إنه الأعمال نفسها هي التي توزن وأن افعال العباد تجسم فتوضع في الميزان، ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ) [أخرجه البخاري(6406، 6682، 563)، ومسلم(2694)]

 وفي الصحيح عن أبي امامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا. اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ...) [أخرجه مسلم(804)]. والترمذي(2883)].

وقال الترمذي رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث عند أهل العلم: أنه يجيء ثواب قراءة القرآن وفي حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه و سلم ما يدل على ما فسروا إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأهله الذين يعملون به في الدنيا) ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل انتهى كلام الترمذي.

 قلت: ولا مانع من كون الآتي هو العمل نفسه، كما هو ظاهر الحديث.

فأما ان يقال: إن الآتي هو كلام الله نفسه: فحاشا، وكلا، ومعاذ الله؛ لأن كلامه تعالى صفته ليس بمخلوق، والذي يوضع في الميزان هو فعل العبد وعمله، والله خلقكم وما تعملون" انتهى، من "معارج القبول" (2/845-846).

فالخلاصة: أن القرآن المذكور في الحديث هو ثواب قراءة القرآن، أو نفس عمل العبد الذي هو قراءة القرآن، وكلٌ من العمل، وثواب العمل: مخلوقان لله عز وجل.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة