السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

هل قال صلى الله عليه وسلم لعلي يوم الحديبية: ( اكْتُبْ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهَا تُعْطِيهَا وَأَنْتَ ‌مُضْطَهَدٌ )؟

447904

تاريخ النشر : 30-11-2023

المشاهدات : 1835

السؤال

أثناء مراجعتي للسيرة النبوية وجدت أن أحد الشيوخ الدعاة انفرد بقول أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد قال لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه فى صلح الحديبية هذه الجملة (امحها يا علي، فقد يأتي يوم تكون في مثل هذا الموطن، وأنت مضطهد)، ولكني لم أجد غيره من الدعاة يقول مثل هذا القول، فأردت أن أسأل إن كان هذا يصح عن الرسول صلي الله عليه وسلم؟

الجواب

الحمد لله.

هذا الخبر بهذا اللفظ رواه البيهقي في "دلائل النبوة" (4/147)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: ( أَنَّ كَاتِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذَا الصُّلْحِ، كَانَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ:

اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ، فَجَعَلَ عَلِيٌّ يَتَلَكَأُ وَيَأْبَى أَنْ يَكْتُبَ إِلَّا مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  اكْتُبْ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهَا تُعْطِيهَا وَأَنْتَ ‌مُضْطَهَدٌ ، فَكَتَبَ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سُهَيْلَ بْنِ عَمْرٍو).

والمقصود بعبارة: (تُعْطِيهَا وَأَنْتَ ‌مُضْطَهَدٌ)، ما روي في قصة التحكيم بين علي رضي الله عنه وبين أهل الشام حيث طلبوا منه أن لا يخاطبوه بأمير المؤمنين، فوافق رضي الله عنه إزالةً للخلاف وطلبا لجمع الكلمة، كما سيأتي بيانه.

لكن إسناد هذا الخبر ضعيف لانقطاعه؛ فمحمد بن كعب تابعي لم يدرك الحادثة.

وفيه بريدة بن سفيان، وهو ضعيف.

قال الذهبي رحمه الله تعالى: " بريدة ‌بن سفيان الأسلمي، عن: أبيه. وعنه: أفلح بن سعيد، وابن إسحاق.

قال البخاري: فيه نظر. وقال أبو داود: لم يكن بذاك. وكان يتكلم في عثمان. وقال الدارقطني: متروك "ميزان الاعتدال" (1/290).

ثم جملة:( تُعْطِيهَا وَأَنْتَ ‌مُضْطَهَدٌ )، منكرة المعنى.

فالاضطهاد الإذلال والاستضعاف.

قال أبو منصور الأزهري رحمه الله تعالى:

" هـ ض د

استعمل من وجوهها: ضهد.

ضهد: قال اللّيث: ضَهَد فلان فلَانا، واضطَهَده: إِذا قهره، وهو مُضْطَهد: مقهور وذليل.

وَقَالَ ابن بزرج: يقَال: ضَهَدْتُ الرجل أَضْهَدُه: قهرته " انتهى. "تهذيب اللغة" (6 / 98).

وعلي رضي الله عنه لم يكن مضطهدا زمن الفتنة، فلم يُقهر ولم يُستذل، بل مات وهو خليفة له القوة، والذي ينص عليه أهل التاريخ، هو: أن التحكيم لم يكن بطلب من علي رضي الله عنه، وإنما كان بطلب من أهل الشام لما شعروا بأن عليا رضي الله عنه ومن معه من أهل العراق قد شارفوا على الغلبة والفوز في معركة صفين.

وروي هذا الخبر بلفظ آخر: وهو: ( سَتَأْتِيهَا ‌وَأَنْتَ ‌مُضْطَرٌّ ).

رواه النسائي في "خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" (ص 201 - 202)، وفي "السنن الكبرى" (7/ 481 - 482)، قال: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ الْجَنْبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنَ قَيْسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: تَجْعَلُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبَادَ حَكَمًا؟! 

قَالَ: إِنِّي كُنْتُ كَاتِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَكَتَبَ، هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ مَا قَاتَلْنَاهُ، امْحُهَا! فَقُلْتُ: هُوَ وَاللهِ رَسُولُ اللهِ، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُكَ، لَا، وَاللهِ لَا أَمْحُهَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرِنِي مَكَانَهَا، فَأَرَيْتُهُ، فَمَحَاهَا، وَقَالَ: أَمَا إِنَّ لَكَ مِثْلَهَا، سَتَأْتِيهَا ‌وَأَنْتَ ‌مُضْطَرٌّ .

وهذا إسناد ضعيف أيضا:

فعمرو بن هاشم الجنبي: قد تكلّم فيه.

قال الذهبي رحمه الله تعالى: " عمرو ‌بن ‌هاشم، أبو مالك الجنبي.

حدث عنه: يحيى بن معين، والكبار. عن: هشام بن عروة، وغيره.

قال أحمد وغيره: صدوق. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال البخاري: فيه نظر.

وقال مسلم: ضعيف. وقال أحمد: صدوق، لم يكن صاحب حديث.

وقال أبو حاتم: لين الحديث " انتهى من "ميزان الاعتدال" (3/292).

كما أن ابن إسحاق موصوف بالتدليس ولم يصرح بسماعه لهذا الخبر من محمد بن كعب.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: " محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، صاحب المغازي، صدوق مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين، وعن شر منهم، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما " انتهى من "طبقات المدلسين" (ص 51).

وعدّه الحافظ ابن حجر في الطبقة الرابعة من المدلسين، وهم:

" الرابعة: من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل " انتهى من "طبقات المدلسين" (ص 14).

فالحاصل؛ أن هذا الخبر إسناده لا يصح.

وإنما الذي ورد هو أن ابن عباس رضي الله عنه لما ناظر الخوارج، وكانوا قد خرجوا على علي رضي الله عنه استنادا لعدة شبهات، منها: زعمهم أن عليا رضي الله عنه قد زاغ عن الحق بموافقته لطلب أهل الشام بالتنازل عن لقب أمير المؤمنين أثناء حادثة التحكيم، فاحتج عليهم ابن عباس رضي الله عنه بحادثة صلح الحديبية.

كما روى عبد الرزاق في "المصنف" (10 / 157 - 160) عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ‌زُمَيْلٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال للخوارج حين ناظرهم :

أَخْبِرُونِي ، مَا تَنْقُمُونَ عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنِهِ، وَأَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِهِ؟ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ؟ قَالُوا: نَنْقُمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا... قَالُوا: مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ. قَالَ - ابن عباس -:... وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا ، فَقَالَ: ( اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ). فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَاللَّهُ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا وَبَقِيَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَقُتِلُوا ).

وروى الإمام أحمد في "المسند" (5/263)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ، اعْتَزَلُوا، فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ:  اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا قَاتَلْنَاكَ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  امْحُ يَا عَلِيُّ، اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ، امْحُ يَا عَلِيُّ وَاكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَاللهِ لَرَسُولُ اللهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ مَحَا نَفْسَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَحْوُهُ ذَلِكَ يَمْحَاهُ مِنَ النُّبُوَّةِ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ .

وحسّن إسناده محققو المسند.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب