السبت 1 جمادى الأولى 1446 - 2 نوفمبر 2024
العربية

هل يستجاب الدعاء على رجل الأمن القائم على التنظيم في الحرم؟

457765

تاريخ النشر : 03-07-2023

المشاهدات : 2605

السؤال

أثناء تنفيذ المهام في تنظيم الحشود وذلك لسلامة قاصدي الحرمين ، يتعرض رجل الأمن للدعاء من بعض المعتمرين والزوار لأن بعضهم يتضايق من التنظيم ولايهمه إلا شخصه، فهل يضره ذلك ؟

ملخص الجواب

إذا اجتهد رجل الأمن في تتبع العدل والحق، مع مراعاة عدم التعدِّي على الحجاج والمعتمرين والزائرين في ضبط ما يوكل إليه؛ لم يضرَّهُ دعاء مَن دعا عليه بسبب إلزامهم بالتقيد بالأنظمة التي تضبط الأمن والحركة في الحرمين الشريفين؛ لأن الدعاء حينئذ إثم وظلم وعدوان، فلا يحبه الله ولا يجيب صاحبه.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

القيامُ على أمر المصلين والحجاج والمعتمرين وتنظيم دخولهم وخروجهم وصلاتهم في المسجد الحرام، ومنع ازدحامهم، وحفظُهم من الضرر؛ كل ذلك من الأعمال الجليلة التي يرجى لفاعلها الأجر العظيم، إذا أخلص النية، وأحسن العمل.

وقد تقرر في فطر العرب شرف خدمة حجاج بيت الله الحرام، حتى وهم في جاهليتهم، وإن كانوا قد انحرفوا بذلك، فجعلوه معادلا للإيمان بالله واليوم الآخر، واستغنوا به عن أجل ما أراده الله من عباده، وطلبه منهم: توحيده، والإيمان به: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)؛ ولولا تقرُّرُ عِظَم ذلك، لما أنزلوه بهذه المنزلة.

وفي صحيح البخاري (1635): عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ العَبَّاسُ: يَا فَضْلُ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا.

فَقَالَ: (اسْقِنِي).

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ!!

قَالَ: (اسْقِنِي).

فَشَرِبَ مِنْهُ. ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ:

(اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ).

ثُمَّ قَالَ: (لَوْلاَ أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ، حَتَّى أَضَعَ الحَبْلَ عَلَى هَذِهِ)؛ يَعْنِي: عَاتِقَهُ، وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ.

وينبغي لمن تولى  ذلك أن يتحلى بالرفق والحلم والصبر، وأن يستشعر عظمة المكان وحرمته، وأن الحجاج والعمار وفد الله، كما روى البزار في مسنده عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الحجاج والعمار وفد الله؛ دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم) وحسنه الألباني في صحيح الجامع .

ومن كان كذلك: فحقه الإكرام.

وليحذر من إلحاق الأذى بواحد منهم، بالقول أو الفعل؛ فإن الذنب يضاعف في المكان الفاضل، والزمان الفاضل، وقد قال الله تعالى: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) .

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (5/411): " (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) أي: يهمّ فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار.

وقوله: (بظلم) أي: عامدا، قاصدا أنه ظلم، ليس بمتأول، كما قال ابن جريج عن ابن عباس: هو التعمد...

وهذا من خصوصية الحرم: أنه يعاقب البادي فيه الشر، إذا كان عازما عليه، وإن لم يوقعه" انتهى.

وقد أمر الله عباده بإحسان القول، فقال: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة/83

وقال: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) الإسراء/53

وقال سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/159.

وأمر الله بخفض الجناح للمؤمنين فقال: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر/88

وروى الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنَّ أحبَّكم إليَّ؛ أحاسِنُكم أَخْلاقاً، الموَطّؤونَ أكْنافاً، الذين يَأْلِفونَ ويُؤْلَفون، وإنَّ أَبْغَضَكُم إليَّ؛ المشَّاؤونَ بالنمِيمَةِ، المفَرِّقونَ بينَ الأحِبَّةِ؛ الملْتَمِسونَ لِلْبُرآءِ العَيْبَ) وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2658).

فمهما صحب الفعل كلامٌ حسن، أو ابتسامة، أو لين في القول واعتذار، كان أدعى للقبول؛ فليحرص رجل الأمن على ذلك أشد الحرص، وليجتنب الفظاظة والغلظة والقسوة، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.

ثانيا:

على القائمين بتنفيذ المهام في الحرمين الحرص على التعامل برفق مع الحجاج والمعتمرين والزائرين، والتحلي بأعلى درجات الصبر والحكمة، وذلك لحرمة المكان، وحرمة المسلم، مراعين في ذلك اختلاف طبائع الناس القادمين من كل بلاد المعمورة، الذين ربما كلفهم المجيء جَهْد نفوسهم، وحصيلة أعمارهم؛ فحقهم – على ذلك - حسنُ الاستضافة، والتسامحُ، ولينُ الجانب، وتحمل ما يصدر منهم من أخطاء، مع عدم التفريط بضبط النظام.

وليكن القائمون على النظام على حذر، وعلى بينة أيضا: أنّه لو حصل منهم تعدٍّ أو ظلمٌ على أحد، ودعا عليه؛ فالأمر خطير جداً؛ فإن دعوة المظلوم مستجابة ؛ فكيف يكون الأمر إذا كانت مظلمته في بلد الله الذي من دخله كان آمنا، أو في بيت الله الحرام؟!

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: ( اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ) رواه البخاري (2448)، ومسلم (19).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ) رواه أبو داود (1536)، والترمذي (1905)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ".

قال السندي رحمه الله تعالى: " قوله: ( دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ) أي: في حق الظالم، وأثر الاستجابة قد لا يظهر في الحال، لكون المجيب تعالى حكيما " انتهى من "شرح سنن ابن ماجه" (2/ 439).

ثالثا:

إذا اجتهد رجل الأمن في تتبع العدل والحق، ولم يصدر منه أذى لأحد: لم يضرَّهُ دعاء من دعا عليه؛ لأن الدعاء حينئذ ظلم، فلا يحبه الله، ولا يجيب صاحبه.

فدعاء الناس على رجل الأمن، إذا أمرهم بالحسنى بالتزام التعليمات، لتنظيم تجمعات الناس وحركتهم، هو من دعاء أهل العدوان فيه، والله لا يحب المعتدين، وهو من الإثم، والدعاء بالإثم لا يستجاب.

قال الله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الأعراف/55.

روى الطبري في تفسيره عن ابن عباس في قوله: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول  يقول: " لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد؛ إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: إلا من ظُلم.

وإن صبر؛ فهو خير له " انتهى من "تفسير الطبري" (7/625).

وروى مسلم (2735) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ).

والدعاء بغير حق: إثم، وظلم ؛ فلا يستجاب له.

قال القرافي رحمه الله: "وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم... تدعو عليه بأنكاد الدنيا، ولا تدعو عليه بمؤلمة لم تقتضِها جنايته عليك، بأن يجني عليك جناية، فتدعو عليه بأعظم منها، فهذا حرام عليك؛ لأنك جانٍ عليه بالمقدار الزائد؛ والله تعالى يقول: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى ) [البقرة: 194]؛ فتأمل هذه الضوابط، ولا تخرج عنها" انتهى من "الفروق" (4/294).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" فالمظلوم دعوته مستجابة؛ إذا دعا على ظالمه بمثل ما ظلمه، أو أقل.

أما إن تجاوز: فإنه يكون معتديا؛ فلا يستجاب له" انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/ 615 – 616).

والحاصل:

إذا راعى القائمون على أمور الأمن والتنظيم في الحرمين الشريفين عدم التعدي على الحجاج والمعتمرين والزائرين في ضبط ما يوكل إليهم؛ فلا يضرهم ما يحصل من البعض من دعاء عليهم بسبب إلزامهم بالتقيد بالأنظمة التي تضبط الأمن والحركة في الحرمين الشريفين.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب