الاثنين 17 جمادى الأولى 1446 - 18 نوفمبر 2024
العربية

من توضأ لما تسن له الطهارة هل يرتفع حدثه؟

457915

تاريخ النشر : 14-06-2023

المشاهدات : 2374

السؤال

أريد بالتفصيل أقوال المذاهب الأربعة مع الأدلة في صلاة الفرض بوضوء مستحب أو مسنون، كوضوء قبل النوم مثلا؟

الجواب

الحمد لله.

إذا توضأ الإنسان لفعل ما تسن له الطهارة، كالنوم، ففي ارتفاع حدثه خلاف بين الفقهاء، على قولين:

الأول: أنه لا يرتفع حدثه، وهو مذهب المالكية والشافعية.

قال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/237): "ص (أو استباحة ما نُدِبَتْ له)

ش: يعني أن المتوضئ إذا نوى استباحة فعلٍ نُدبت له الطهارة، فإنه لا يرتفع الحدث، ولا يستبيح بذلك شيئا مما منعه الحدث.

قال المازري: لأن الفعل الذي قصد إليه، يصح فعله مع بقاء الحدث؛ فلم يتضمن القصدُ إليه، القصدَ لرفع الحدث، كما تضمنه القصد إلى ما تجب الطهارة فيه. انتهى.

وقال في التوضيح: قاعدة هذا : أن من نوى ما لا يصح إلا بطهارة، كالصلاة ومس المصحف والطواف: فيجوز أن يفعل بذلك الطهر غيره. ومن نوى شيئا لا يشترط فيه الطهارة، كالنوم، وقراءة القرآن ظاهرا، وتعليم العلم: فلا يجوز أن يفعل بذلك الوضوء غيره، على المشهور.   وقيل: يستبيح؛ لأنه نوى أن يكون على أكمل الحالات، فنيته مستلزمة لرفع الحدث عنه. انتهى بلفظه.

(تنبيهات: الأول) ظاهر كلامهم أنه إذا نوى الوضوء للنوم، أو لقراءة القرآن ظاهرا، أو لتعليم العلم، وفَعَل هذه الأشياء: يحصل له ثواب من فعلها على طهارة. وعندي في ذلك نظر؛ لأنهم يقولون إنه محدِث كما تقدم، وصرح بذلك المازري، وهو ظاهر من كلامهم. ومن هنا يظهر لك وجه القول الثاني، وهو أن المتوضئ قصد أن يأتي بذلك الفعل على طهارة، ومِنْ لازم ذلك ارتفاع الحدث، وإلا لم يكن على طهارة، ولهذا قال ابن عبد السلام: الظاهر: الإجزاء؛ لأن المقصود من هذا الوضوء رفع الحدث، وإلا فلا فائدة فيه، انتهى" انتهى.

وقال الشيرازي في المهذب: "وإن نوى الطهارة لقراءة القرآن أو الجلوس في المسجد، وغير ذلك مما يستحب له الطهارة، ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يجزيه؛ لأنه يُستباح من غير طهارة، فأشبه ما إذا توضأ للبس الثوب. والثاني: يجزيه؛ لأنه يستحب له أن لا يفعل ذلك وهو محدث، فإذا نوى الطهارة بذلك، تضمنت نيته رفع الحدث".

قال النووي في شرحه: "هذان الوجهان مشهوران ودليلهما ما ذكره، وأصحهما عند الأكثرين أنه لا يصح" انتهى من "المجموع" (1/324).

القول الثاني: أنه يرتفع حدثه، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وبعض المالكية، ووجه عند الشافعية.

والحنفية لا يشترطون النية في الوضوء أصلا، فحيث أتى بأفعال الوضوء، ارتفع حدثه.

قال ابن عابدين في حاشيته (1/106): " الصلاة تصح عندنا بالوضوء، ولو لم يكن منويا، وإنما تُسن النية في الوضوء ليكون عبادة، فإنه بدونها لا يسمى عبادة مأمورا بها، كما يأتي، وإن صحت به الصلاة، بخلاف التيمم، فإن النية شرط لصحة الصلاة به؛ فالنية في الوضوء شرط لكونه عبادة، وفي التيمم شرط لصحة الصلاة به" انتهى.

وأما الحنابلة: فقال الحجاوي في "الإقناع" (1/24): "فإن نوى ما تسن له الطهارة، كقراءة، وذكر، وأذان، ونوم، ورفع شك، وغضب، وكلام محرم كغيبة ونحوها، وفعل مناسك الحج، غير طواف، وكجلوس بمسجد، وأكل، وفي النهاية: وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو نوى التجديد إن سُنَّ ناسيا حدثه، أو صلاة بعينها لا يستبيح غيرها: ارتفع حدثه، ولغا تخصيصه، ويُسنّ التجديد إن صلى بينهما، وإلا فلا" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قوله: فإن نوى ما تُسنُّ له الطَّهارة كقراءة، هذه هي الصُّورة الثالثة، أي: نوى الطَّهارة لما تُسَنُّ له، وليس لما تجب، كقراءة القرآن، فإِن قراءة القرآن دون مسِّ المصحف تُسَنُّ لها الطَّهارة، بل كلُّ ذِكْرٍ فإِن السُّنَّة أن يتطهَّرَ له؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: كَرِهْتُ أن أذكر الله إلا على طهارة.

فإذا نوى ما تُسَنُّ له الطَّهارةُ ارتفع حدثُه، لأنَّه إِذا نوى الطَّهارةُ لما تُسَنُّ له، فمعنى ذلك أنه نوى رفع الحدث؛ لأجل أن يقرأ، وكذلك إِذا نوى الطَّهارةَ لرفع الغضبِ، أو النَّومِ، فإِنَّه يرتفعُ حدثه" انتهى من "الشرح الممتع" (1/198).

وقد ظهر بذلك أن حجة من أجاز الصلاة بهذا الوضوء أنه متضمن رفع الحدث، وإلا لم يكن له فائدة، فهو يتوضأ لينام على طهارة ، فإذا قيل: إنه ما زال محدثا، لم يستفد شيئا، وهو مناقض لنيته أن يكون متوضئا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب