الخميس 23 شوّال 1445 - 2 مايو 2024
العربية

اشكالات حول حديث قتل الرجل الذي تزوج بزوجة أبيه.

458980

تاريخ النشر : 08-04-2024

المشاهدات : 546

السؤال

لدي سؤال حول قصة الرجل الذي أعرس بزوجة أبيه، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، الذي فهمته أن هذا كان محمولا على الاستحلال، لهذا كان حكمه حكم المرتد. لماذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يستتيبه؟ وأليس الاستحلال فعلا قلبيا بالأصل، فكيف نعرف انه استحله قلبيا؟ أم إن الأمر وحي؟ أليس من المفترض أن يحكم على الإنسان حضوريا قبل إقامة الحد أو العقوبة عليه؟ وأليس المرأة التي تتزوج نصرانيا اليوم تأخذ نفس الحكم؟

الجواب

الحمد لله.

هذا الخبر رواه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم بأسانيد متعددة ومختلفة، مع اختلاف في بعض متنه.

فرواه الترمذي (1362)، وابن ماجه (2607)، وغيرهما: عَنْ أَشْعَثَ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: " مَرَّ بِي خَالِي وَمَعَهُ لِوَاءٌ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ ‌تَزَوَّجَ ‌امْرَأَةَ ‌أَبِيهِ، أَنْ آتِيَهُ بِرَأْسِهِ".

ثم قال الترمذي:

" حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْبَرَاءِ.

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِيهِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ، عَنْ خَالِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهى.

ورواه أبو داود (4456) عن مُطَرِّف، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: " بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ عَلَى إِبِلٍ لِي ضَلَّتْ، إِذْ أَقْبَلَ رَكْبٌ - أَوْ فَوَارِسُ - مَعَهُمْ لِوَاءٌ، فَجَعَلَ الْأَعْرَابُ يُطِيفُون بِي لِمَنْزِلَتِي مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَتَوْا قُبَّةً، فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهَا رَجُلًا فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ".

ورواه أيضا (4457) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " لَقِيتُ عَمِّي وَمَعَهُ رَايَةٌ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَآخُذَ مَالَهُ".

وقال المنذري في اختصاره لسنن أبي داود (3/186):

" وقد اخْتُلف في هذا اختلافًا كثيرًا.

فروى عن البراء كما تقدم. وروي عنه عن عمه كما ذكرناه أيضًا.

وروى عنه، قال: "مَرَّ بي خالي أبو بُرْدة بن دينار ومعه لواء" وهذا لفظ الترمذي فيه.

وروى عنه عن خاله، وسماه: هشيم في حديثه: الحارث عن عمرو، وهذا لفظ ابن ماجة فيه.

وروى عنه قال: "مَرَّ بِنَا نَاسٌ يَنْطَلِقُونَ".

وروى عنه: "إني لَأَطُوف عَلَى إِبِلٍ ضَلَّتْ لي في تلك الأحياء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إذا جاءهم رهط معهم لواء" وهذا في لفظ النسائي " انتهى.

وفي بعض طرقه أخذ ماله، وفي بعضهما لم يذكر ذلك.

وقد ضعفه بعضهم بسبب هذا الاضطراب في سنده ومتنه، وهو ما رجحه محققو المسند وبسطوا بيان ذلك ، كما في تعليقهم على "المسند" (30/ 526-529).

وذهب جمع من أهل العلم إلى صحته، وإلى أن هذا الاختلاف لا يقدح في أن لهذا الحديث أصلا ثابتا.

قال ابن القيم معلقا على كلام المنذري رحمهما الله تعالى:

" وهذا كله يدل على أن الحديث محفوظ، ولا يوجب هذا تَرْكَه بوجه، فإن البراء بن عازب حدَّث به عن أبي بُردة بن نِيار، واسمه الحارث بن عمرو، وأبو بردة كنيته، وهو عمّه وخاله، وهذا واقع في النسب، وكان معه رهط؛ فاقتصر على ذكر الرهط مرة، وعيّن من بينهم أبا بردة بن نِيار باسمه مرّة، وبكنيته أخرى، وبالعمومة تارة، وبالخؤولة أخرى. فأي علة في هذا توجب ترك الحديث؟! والله الموفق للصواب.

والحديث له طرق حسان يؤيد بعضُها بعضًا، منها: مُطَرِّف عن أبي الجهم عن البراء...

وذكر النسائي في "سننه" من حديث عبد الله بن إدريس: حدثنا خالد بن أبي كريمة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه: ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَاهُ، جَدَّ مُعَاوِيَةَ، إِلَى رَجُلٍ ‌عَرَّسَ ‌بِامْرَأَةِ أَبِيهِ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَخَمَّسَ مَالَهُ ) " انتهى من "تهذيب سنن أبي داود" (3/ 112).

وقد بسط الشيخ الألباني القول بتصحيحه في "ارواء الغليل" (8/ 18-22).

وعلى القول بصحته، فمن أهل العلم من حمل هذا الحكم بقتله على أنه لردته؛ باستحلاله ما حرّم الله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وأما كون ترك الإيمان بهذه الشرائع كفرا؛ وفعل المحرم المجرد ليس كفرا: فهذا مقرر في موضعه، وقد دل على ذلك كتاب الله... وأيضا حديث أبي بردة بن نيار: " لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى من ‌تزوج ‌امرأة ‌أبيه فأمره أن يضرب عنقه ويخمس ماله ". فإن تخميس المال دل على أنه كان كافرا لا فاسقا، وكفره بأنه لم يحرم ما حرم الله ورسوله " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/ 91-92).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وأشهر حديث في الباب حديث البراء: ( لقيت خالي ومعه الراية فقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل ‌تزوج ‌امرأة ‌أبيه أن اضرب عنقه ) أخرجه أحمد وأصحاب السنن وفي سنده اختلاف كثير، وله شاهد من طريق معاوية بن مرة عن أبيه أخرجه ابن ماجه والدارقطني، وقد قال بظاهره أحمد، وحمله الجمهور على من استحل ذلك بعد العلم بتحريمه بقرينة الأمر بأخذ ماله وقسمته " انتهى من "فتح الباري" (12/118).

وعلى هذا القول، لا يستشكل كيف قتل دون معرفة هل استحل امرأة أبيه أم لا؟ وكيف قتله دون استتابة؟ لأن الحديث لم ينف حصولهما، وإنما سكت عن ذكرهما، فالصحابي راوي الحديث إنما شهد مجلس تنفيذ الحكم فقط، فحكى ما شاهده، و عدم ذكر ذلك في الحديث لا يعني عدم حصوله، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم باستحلاله لذلك إما من الرجل نفسه، أو من من شهود ثقات من قومه، ويحتمل أنه أرسل إليه من ينهاه ويستتيبه، لكنه أصرّ، ومع هذا الاحتمال لا يمكن أن يستشكل معنى هذا الحديث.

وذهب جمع من أهل العلم إلى أن قتله لم يكن لردته، وإنما هذا الحكم هو حكم كل من تزوج ذات محرم ولو لم يكن مستحلا لذلك؛ لغلظ الذنب وعظمه، كما أن الزاني المحصن يقتل رجما ولا يعني ذلك كفره وردته.

قال الخطابي رحمه الله تعالى:

" وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لزناه ولتخطيه الحرمة في أمه، وقد أوجب بعض الأئمة تغليظ الدية على من قتل ذا محرم، وكذلك أوجبوا على من قتل في الحرم فألزموه دية وثلثاً وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه أتي بشارب في رمضان فضربه حد السكر وزاده عشرين لارتكابه ما حرم الله عليه في ذلك الشهر.

وقد اختلف العلماء فيمن نكح ذات محرم فقال الحسن البصري عليه الحد وهو قول مالك بن أنس والشافعي.

وقال أحمد بن حنبل يقتل ويؤخذ ماله، وكذلك قال إسحاق على ظاهر الحديث...

وقال أبو حنيفة يعزر ولا يحد.

وقال صاحباه أما نحن فنرى عليه الحد إذا فعل ذلك متعمدا" انتهى من "معالم السنن" (3/ 329-330).

واختار الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، أن هذا الذي تزوج امرأة أبيه، إنما قتل حدا، ولم يقتل لأجل ردته. فقد سئل: "هل الذي يتزوج امرأة أبيه يخمس ماله؟

فأجاب: " ما هذا الكلام، الذي يتزوج امرأة أبيه وهو عالم بأنه حرام يرجم حتى وإن كان بكرًا كما ثبت به الحديث، لأن امرأة أبيه من المحارم، ونكاح المحارم باطل بالإجماع، ولا يخمس ماله لأن هذا حد وليس بكفر." انتهى، من "دروس للشيخ" – نسخ الشاملة – (11/147).

وهذا هو قول جمهور العلماء، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (221686).

وبكل حال؛ فلا يقاس على هذا تزوج المرأة من الكافر؛ لأن من شروط صحة القياس أن تكون في الفرع علة مماثلة ومساوية للعلة التي من أجلها جاء حكم الأصل، فزوجة الأب محرمة على التأبيد فلا تحل بحال من الأحوال فحرمتها أعظم، وأما الكافر فحرمته على المسلمة ليس على التأبيد، بل يحل لها أن تتزوجه إن أسلم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب