الحمد لله.
ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتحرون بهداياهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يوم عائشة.
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ، أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ، قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ:
( يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا ) رواه البخاري (3775).
فنبينا صلى الله عليه وسلم كان يعدل بين نسائه في أفعاله، كما ثبت عَنْ عُروة ابنِ الزبيرِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ( يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ، مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا ) رواه أبو داود (2135)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1 / 593).
ومن ذلك أنه كان لا يخرج في سفر بواحدة من أمهات المؤمنين إلا بقرعة.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه البخاري (2593) ومسلم (2770).
وتحري الصحابة يوم عائشة لا يقدح في عدله صلى الله عليه وسلم، لأنه من تصرف أصحابه، ولم يكن بطلب منه، ولم يطلب صلى الله عليه وسلم من أصحابه أن يهدوا إليه في سائر الأيام؛ لأن في هذا شبهة طلب الهدية والتطلع إليها، وهذا ليس من خلقه صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
"أما الهدية فلا تطلب من المهدي، فلا يتعين لها وقت… " انتهى. "المفهم" (6 / 325).
وقال العراقي رحمه الله تعالى:
" مقتضى القصة التي سقناها من عند البخاري أن الذي طلبنه منه مساواتهن لعائشة في الإهداء للنبي صلى الله عليه وسلم في بيوتهن، وقد صرحت له أم سلمة بذلك مرارا قبل حضور فاطمة وزينب ولم يصدر ذلك منهن عن اعتدال، وهذا الكلام فيه تعريض بطلب الهدية، واستدعائها، وذلك ينافي كماله عليه الصلاة والسلام، أي أن يقوله على سبيل العموم " انتهى. "طرح التثريب" (7 / 52).
وقال العراقي رحمه الله تعالى:
" ولعل قوله عليه الصلاة والسلام، في جواب أم سلمة: ( لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة ): إشارة إلى أن تقليب قلوب الناس للإهداء في نوبة عائشة أمر سماوي لا حيلة لي فيه ولا صنع، بدليل اختصاصها بنزول الوحي علي وأنا في ثوبها دون غيرها من أمهات المؤمنين، فلا يمكنني قطع ذلك ولا أمر الناس بخلافه " انتهى. "طرح التثريب" (7 / 52).
والحاصل:
أن تحري الصحابة بهداياهم يوم عائشة، هو فعلهم هم، وليسوا مأمورين بالعدل بين نسائه، وليس من ضرورة عدل النبي صلى الله عليه وسلم بين زوجاته أن يطلب من أصحابه أن يوزعوا الهدايا على أيام نسائه، وليس هذا أيضا مما يليق بعالي مقامه صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
تعليق