الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

الاسم والذات: التفريق بينهما والدعاء والاستعاذة بهما

464958

تاريخ النشر : 24-08-2023

المشاهدات : 3370

السؤال

ما حكم التعليق على ذكر ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)، بقول: هذه معية اسمه فكيف تفعل معية ذاته، فما حكم هذه العبارة؟

الجواب

الحمد لله.

هذه العبارة خاطئة، وهي أيضا: تكلف لا معنى له؛ لأنها توهم أن المعية التي في الحديث معية للاسم مجردا عن الذات، أو هناك معية أخرى "للذات"، سوى المذكورة في الحديث ونحوه.

وليس الأمر كذلك، فإن اسم الله، علم على الذات الموصوفة بالألوهية، وليس اسما مجردا حتى يقابل بالذات، فيقال: معية اسم، ومعية ذات!

فقوله: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء): تعوذٌ باسم الله الذي هو علم على ذاته، فالمقصود الاستعاذة بالله تعالى، وليس بالاسم المجرد.

وهذا كقولنا: بسم االله الرحمن الرحيم، فهو استعانة بالله المسمى بهذه الأسماء.

وكذلك قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الأعلى/1.

وقوله: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا الأعراف/181.

وقوله: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الإسراء/110.

فتسبيح اسمه، ودعاء اسمه، هو تسبيح له ودعاء له؛ إذ المقصود بالاسم المسمى، فالاسم دليل على المسمى وعلم على المسمى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والاسم يتناول اللفظ والمعنى المُتَصَوَّر في القلب، وقد يراد به مجرد اللفظ، وقد يراد به مجرد المعنى، فإنه من الكلام؛ " والكلام " اسم للفظ والمعنى، وقد يراد به أحدهما؛ ولهذا كان من ذكر الله بقلبه أو لسانه فقد ذكره لكن ذكره بهما أتم.

والله تعالى قد أمر بتسبيح اسمه، وأمر بالتسبيح باسمه، كما أمر بدعائه بأسمائه الحسنى؛ فيدعى بأسمائه الحسنى، ويسبح اسمه، وتسبيح اسمه: هو تسبيح له؛ إذ المقصود بالاسم المسمى؛ كما أن دعاء الاسم هو دعاء المسمى. قال تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى . والله تعالى يأمر بذكره تارة، وبذكر اسمه تارة؛ كما يأمر بتسبيحه تارة، وتسبيح اسمه تارة؛ فقال: اذكروا الله ذكرا كثيرا، واذكر ربك في نفسك وهذا كثير. وقال: واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا...

وفي الدعاء: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى، فقوله: أيا ما تدعوا، يقتضي تعدد المدعو لقوله: أيا ما، وقوله: فله الأسماء الحسنى يقتضي أن المدعو واحد له الأسماء الحسنى، وقوله: ادعوا الله أو ادعوا الرحمن - ولم يقل ادعوا باسم الله أو باسم الرحمن - يتضمن أن المدعو هو الرب الواحد بذلك الاسم.

فقد جعل الاسم تارة مدعوا، وتارة مدعوا به في قوله: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها:

فهو مدعو به باعتبار أن المدعو هو المسمى، وإنما يدعى باسمه.

وجعل الاسم مدعوا، باعتبار أن المقصود به هو المسمى، وإن كان في اللفظ هو المدعو المنادى، كما قال قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن؛ أي ادعوا هذا الاسم أو هذا الاسم، والمراد إذا دعوته هو المسمى؛ أيَّ الاسمين دعوت فمرادك هو المسمى: فله الأسماء الحسنى ." انتهى من مجموع الفتاوى (6/ 209).

وقال ابن القيم رحمه الله: "الذكر الحقيقي محله القلب؛ لأنه ضد النسيان، والتسبيح نوع من الذكر فلو أطلق الذكر والتسبيح لما فهم منه إلا ذلك، دون اللفظ باللسان، والله تعالى أراد من عباده الأمرين جميعا، ولم يقبل الإيمان وعقد الإسلام إلا باقترانهما واجتماعهما.

فصار معنى الآيتين: سبح ربك بقلبك ولسانك، واذكر ربك بقلبك ولسانك، فأقحم الاسم تنبيها على هذا المعنى، حتى لا يخلو الذكر والتسبيح من اللفظ باللسان؛ لأن ذكر القلب متعلَّقه المسمى، المدلول عليه بالاسم، دون ما سواه، والذكر باللسان متعلقه اللفظ مع مدلوله؛ لأن اللفظ لا يراد لنفسه، فلا يتوهم أحد أن اللفظ هو المسبح دون ما يدل عليه من المعنى.

وعبر لي شيخنا أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه عن هذا المعنى بعبارة لطيفة وجيزة فقال: المعنى سبح ناطقا باسم ربك، متكلما به. وكذا: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ المعنى سبح ربك ذاكرا اسمه. وهذه الفائدة تساوي رحلة لكن لمن يعرف قدرها، فالحمد لله المنان بفضله ونسأله تمام نعمته" انتهى من "بدائع الفوائد" (1/19).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه لله في تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الأعلى/1:

"معنى سبح نزه الله عن كل عيب ونقص. وقوله: اسم ربك الأعلى قال بعض المفسرين: إن قوله اسم ربك يعني مسمى ربك؛ لأن التسبيح ليس للاسم بل لله نفسه، ولكن الصحيح أن معناها: سبح ربك ذاكراً اسمه، يعني لا تسبحه بالقلب فقط، بل سبحه بالقلب واللسان، وذلك بذكر اسمه تعالى، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: فسبح باسم ربك العظيم [الواقعة: 96]، يعني سبح تسبيحاً مقروناً باسمه، وذلك لأن تسبيح الله تعالى قد يكون بالقلب، بالعقيدة، وقد يكون باللسان، وقد يكون بهما جميعاً، والمقصود أن يسبح بهما جميعاً، بقلبه، لافظاً بلسانه" انتهى من "تفسير جزء عم"، ص 158

والحاصل:

أن الاستعاذة باسمه، اسستعاذة به تبارك وتعالى، ومعية اسمه، تعني معية ذاته المقدسة المسماة بهذا الاسم؛ فلا وجه لتكلف الكلام المذكور في السؤال.

والله أعلم.
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب