الحمد لله.
عند إخراج الكفارة ، يجوز لصاحبها أن ينيب ويوكل غيره في إيصالها إلى مستحقيها، لكن يجب على صاحب الكفارة أن ينوي الكفارة عند إخراجها؛ لأن النية شرط لصحة للعبادة.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (21 / 145):
" دَيْنُ الله المالي المحض، كالزكاة والصدقات والكفارات: تجوز فيه النيابة عن الغير، سواء أكان من هو في ذمته قادرا على ذلك بنفسه، أم لا؛ لأن الواجب فيها إخراج المال، وهو يحصل بفعل النائب، وسواء أكان الأداء عن الحي أم عن الميت.
إلا أن الأداء عن الحي لا يجوز إلا بإذنه باتفاق، وذلك للافتقار في الأداء إلى النية لأنها عبادة فلا تسقط عن المكلف بدون إذنه " انتهى.
وأما الوكيل، فالراجح أنه لا نية عليه؛ لأن عمله هو تعهد بإيصال الكفارة إلى مستحقيها، فهذا من باب المعاملات وليس من باب التعبدات.
فما دام أن المُوَكِّل صاحب الكفارة قد نوى عند دفع الكفارة إلى الوكيل، واستصحب نيته ولم يقطعها: فهذا يكفي لصحة العبادة.
وهذا الذي نص عليه جمع من أهل العلم في باب التوكيل في إخراج الزكاة، والكفارة والزكاة في هذا سواء.
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:
" وتكفي نيّة المُوَكِّل عند الصرف إلى الوكيل في الأصحّ، لوجود النية من المتعبد بالزكاة " انتهى من "عجالة المحتاج" (1/508).
وتقديم نية الكفارة على تسليمها لمستحقيها أجازها جمع من أهل العلم.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" في وقت نية الزكاة وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب:
أحدهما: تجب النية حالةَ الدفع إلى الإمام، أو الأصناف، ولا يجوز تقديمها عليه كالصلاة.
وأصحهما: يجوز تقديمها على الدفع للغير، قياسا على الصوم؛ لأن القصد سد خلة الفقير. وبهذا قال أبو حنيفة وصححه البندنينجي وابن الصباغ والرافعي ومن لا يحصى من الأصحاب، وهو ظاهر نص الشافعي في الكفارة، فإنه قال في الكفارة: لا تجزئه حتى ينوي معها، أو قبلها. قال أصحابنا: والكفارة والزكاة سواء " انتهى من "المجموع شرح المهذب" (6 / 181).
ولأن اشتراط نية الوكيل فيه حرج وعسر.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" ومنها: أن يوكل من يفرق زكاته، فإن نوى الموكل عند الدفع إلى الوكيل، ونوى الوكيل عند الدفع إلى المساكين، فهو الأكمل، وإن لم ينو واحد منهما، أو لم ينو الموكِّل: لم يجزئه.
وإن نوى الموكل عند الدفع، ولم ينو الوكيل، فطريقان، أحدهما: القطع بالجواز، وأصحهما أنه على الوجهين فيما إذا فرق بنفسه، هل يجزئه تقديم النية على التفرقة؟
والأصح: الإجزاء كالصوم؛ للعسر، ولأن القصد سد حاجة الفقير، وعلى هذا يكفي نية الموكل عند الدفع إلى الوكيل … " انتهى من "روضة الطالبين" (2 / 209).
وخصص بعضهم اشترط نية الوكيل في حالة إذا طال الزمن الفاصل بين التوكيل وتسليم المال إلى مستحقيه.
جاء في "الشرح الكبير" (7/165):
" (وإن دفعها إلى وكيله، اعتبرت النية في الموكل دون الوكيل): إذا وكل في دفع الزكاة، فدفعها الوكيل إلى مستحقها قبل تطاول الزمن، أجزأت نية الموكل، ولم يفتقر إلى نية الوكيل؛ لأن الموكل هو الذى عليه الفرض، فاكتفى بنيته، ولأن تأخر الأداء عن النية بالزمن اليسير جائز على ما ذكرنا، فإن تطاول الزمن، فقال أبو الخطاب يجزئ، كما لو تقارب الدفع. وهو ظاهر كلام شيخنا ههنا.
والصحيح. أنه لابد من نية الموكل حال الدفع إلى الوكيل، ونية الوكيل عند الدفع إلى المستحق؛ لئلا يخلو الدفع إلى المستحق عن نية مقارنة أو مقاربة " انتهى.
والراجح إن شاء الله تعالى أن نية الوكيل ليست بشرط لصحة الكفارة؛ لأن هذه العبادة غير متعلقة به، وإنما تشترط نية المُوَكِّل صاحب الكفارة؛ فإذا نوى الكفارة عند إخراجها وتسليمها إلى الوكيل، واستصحب الموكِّل – صاحب الكفارة – نيته، ولم يقطعها، فقد قام بما يجب عليه من النيّة، وهذا يكفيه.
والله أعلم.
تعليق