الحمد لله.
أولا:
لا يجوز منع الدواء عن المريض إذا توقفت حياته عليه، إلا في حال حُكم بموت المريض، فإنه لا فائدة من إعطائه الدواء.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة الأردن من 8 – 13 صفر 1407هـ /11 – 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م، بعد التداول في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع أجهزة الإنعاش واستماعه إلى شرح مستفيض من الأطباء المختصين:
” يعد شرعاً أن الشخص قد مات، وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعا للوفاة عند ذلك، إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
1) إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
2) إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلا، لا يزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة ” انتهى.
وجاء في قرار المجلس الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة في 24/ 2/1408هـ: ” المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه نهائياً، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء، أن التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً، بفعل الأجهزة المركبة، لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب، توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة ” انتهى.
وعليه؛ فإذا كان المريض قد وصل إلى هذه الحال؛ جاز منع الدواء عنه.
وإذا لم يكن قد وصل إلى هذه الحال، حرم منع الدواء عنه، وإن توقفت حياته على الدواء كان منع الدواء عنه قتلا له، ولا يحل ما يسمى بالقتل الرحيم.
قال البهوتي رحمه الله في “كشاف القناع” (5/ 495) قال: ” (ولا يجوز قتلها)؛ أي: البهيمة، (ولا ذبحها للإراحة)؛ لأنها مال ما دامت حية، وذبحها إتلاف لها، وقد نُهي عن إتلاف المال. (كالآدمي المتألم بالأمراض الصعبة)، أو المصلوب بنحو حديد؛ لأنه معصوم ما دام حيا ” انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم: (129041).
وقتل الحيوان لإراحته فيه خلاف بيناه في جواب السؤال رقم: (410853).
ثانيا:
إذا لم يكن المريض قد وصل إلى حال يحكم فيه بموته، فإن منعك الدواء عنه يعد قتلا، ويلزمك أمران:
1-كفارة القتل.
2-الدية لأهل القتيل.
والكفارة عتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وليس فيها إطعام؛ لقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى قوله سبحانه: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا النساء/92.
سئل علماء اللجنة الدائمة: هل كفارة القتل الخطأ يجوز فيها دفع الطعام إلى ستين مسكينا حسب الاستطاعة أم لا بد أن تكون دفعة واحدة؟
فأجابوا:
“كفارة القتل ليس فيها إطعام؛ لأن الله سبحانه وتعالى نص فيها على شيئين فقط، هما: العتق، فمن لم يستطع أن يعتق صام شهرين متتابعين، قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ بكر أبو زيد … الشيخ عبد العزيز آل الشيخ … الشيخ صالح الفوزان … الشيخ عبد الله بن غديان … الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (21/ 275).
ثالثا:
الدية إنما تكون على عاقلتك، أي عصبتك، وهم أقاربك الذكور من جهة أبيك، فإن لم توجد عاقلة، أو امتنعت عن الدفع، فهل تسقط الدية، أم تلزم القاتل؟
في ذلك خلاف.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” مسألة: إذا لم يكن للجاني عاقلة تحمل لكونهم إناثاً، أو فقراء، أو ما أشبه ذلك فعلى من تجب الدية؟
قالوا: على بيت المال، وإن كان [القاتل] غير مسْلِم ففي مال الجاني.
قال العلماء: وإذا تعذر بيت المال سقطت الدية.
والصحيح أنه إذا لم يكن له عاقلة فعليه، فإن لم يكن هو واجداً أخذنا من بيت المال؛ وذلك لأن الأصل أن الجناية على الجاني، وحُمِّلَت العاقلة من باب المعاونة والمساعدة” انتهى من “الشرح الممتع” (14/179).
وقد ذكرنا في عدة الأجوبة أن المرجع في ذلك للقضاء الشرعي، فإن لم يوجد أو تعذر الرجوع إليه لطول المدة؛ فالأقرب: أنه يلزمك أن تدفع الدية من مالك؛ إن كان عندك مال يسعها.
ويجب البحث عن عائلة القتيل لإعطائهم الدية في حال كنت أنت – أو عاقلتك – ستدفع الدية، فإن لم
يمكن الوصول إليها بعد البحث والتحري، فإنه يُتصدق بالدية عنهم.
والله أعلم.
تعليق