الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يلزم اعتداد المطلقة في بيت زوجها مع أنه لا يرجى تغير حالها؟

468636

تاريخ النشر : 10-09-2023

المشاهدات : 2958

السؤال

صديقي يعاني مع زوجته، فهي لا تقوم على أمر من أموره الأساسية، لا غسل، و لا تحضير طعام، و كثير من الأحيان تنام قبل رجوعه للبيت، و تغلق باب البيت حتى لا يدخل، فيضطر أن يبقى عند أهله. فهي لا ترى زوجها بالأشهر دون أن تتأثر بذلك.
وبعد صبر طويل عليها لأجل بناته، ومحاولات إصلاح لم تستمر إلا لأيام فقط خلال سنوات، قرر أن يطلقها، وليتفاجىء أنها لا تريد الخروج من بيته، لقوله تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ).
هنا أنا أخبرته أن الهدف من البقاء في بيتها هو الإصلاح، وكأنها فترة مراجعة للنفس،لكن في مثل حالتها لن تشعر بحدوث الطلاق ، والحل هو: أن تكون مطلقة عند أهلها؛ لتشعر ببعض العقاب، لعلها تعود لرشدها.
فما حكم بقاءها في بيته في حالتها، و ما هو توجيهكم له و لها؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

المطلقة الرجعية تعتد في بيت زوجها، ويحرم خروجها، وإخراجها منه أثناء العدة؛ لأن البقاء في السكن حق لله تعالى؛ لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) الطلاق/1

ولو تراضيا على اعتدادها في غير بيت الزوجية لم يجز.

قال في "بدائع الصنائع" (3/ 205): " وقوله تعالى أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ وَالأَمْرُ بِالإِسْكَانِ نَهْيٌ عَنْ الإِخْرَاجِ وَالْخُرُوجِ، وَلأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَعْدَ الطَّلاقِ الرَّجْعِيِّ، لِقِيَامِ مِلْكِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ، كَمَا قَبْلَ الطَّلاقِ.

إلا أَنَّ بَعْدَ الطَّلاقِ لا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ، بِخِلافِ مَا قَبْلَ الطَّلاقِ؛ لأَنَّ حُرْمَةَ الْخُرُوجِ بَعْدَ الطَّلاقِ لِمَكَانِ الْعِدَّةِ، وَفِي الْعِدَّةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ، بِخِلافِ مَا قَبْلَ الطَّلاقِ؛ لأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَمَّةَ لِحَقِّ الزَّوْجِ خَاصَّةً، فَيَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ نَفْسِهِ بِالإِذْنِ بِالْخُرُوجِ" انتهى.

وفي "حاشية قليوبي وعميرة" (4/ 56): " (وَتَسْكُنُ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَلَيْسَ لِزَوْجٍ وَغَيْرِهِ إخْرَاجُهَا، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ) مِنْهُ؛ فَلَوْ اتَّفَقَتْ مَعَ الزَّوْجِ عَلَى الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ: لَمْ يَجُزْ، وَعَلَى الْحَاكِمِ الْمَنْعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ وَجَبَ فِي ذَلِكَ الْمَسْكَنُ، قَالَ تَعَالَى لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ، وَإِضَافَةُ الْبُيُوتِ إلَيْهِنَّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَسْكَنُهُنَّ" انتهى.

وقال في "شرح منتهى الإرادات" (3/ 206): " (وَرَجْعِيَّةٌ فِي لُزُومِ مَنْزِلِ) مُطَلِّقِهَا، لَا فِي الْإِحْدَادِ، (كَمُتَوَفًّى عَنْهَا) زَوْجُهَا؛ نَصًّا [يعني: نص عليه الإمام أحمد]؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ [الطلاق: 1] .

وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا الْمُطَلِّقُ فِي الْخُرُوجِ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِدَّةِ، وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ إسْقَاطَ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا، كَمَا لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا، أَيْ الْعِدَّةِ" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "كثير من الناس اليوم مع الأسف إذا طلق زوجته طردها من البيت، وهذا حرام عليه؛ إلا أن تأتي بفاحشة مبينة.

وكثير من النساء إذا طلقت ذهبت إلى أهلها، وهذا حرام عليها، (لَا تُخْرِجُوهُنَّ) .

ثم قال في الآخر: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) .

إذن المطلقة الرجعية تبقى في بيت زوجها، تتجمل له وتتطيب، وتفعل جميع المغريات لرجوعها إلى زوجها" انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/ 225).

وقال: "وإنما شرع الله عز وجل لها البقاء في البيت للحكمة التي ذكرها الله تعالى في آخر الآية، وهي قوله: (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)؛ فقد يلقي الله في قلب الزوج إن كان هو الكاره للزوجة، أو في قلبها إن كانت هي الكارهة له المحبة والألفة، فتبقى في بيت زوجها لا تخرج منه، فلا يحل لها أن تخرج، ولا يحل لزوجها أن يخرجها من البيت حتى تنتهي العدة" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (19/ 2).

ولا عبرة بكون اعتداد المطلقة في بيت أهلها قد يصلحها، لمصادمته لأمر الله تعالى.

ولا عبرة أيضا بكون الزوجة لا يتوقع تغير حالها، فذلك في علم الله،  لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ، فقد ينصلح حالها، وقد يرضى زوجها بإمساكها وإرجاعها مع بقائها على حالها.

ثانيا:

إذا كان الطلاق على عوض، أو كان الخلع، فهي بائن بينونة صغرى، ولا يلزم أن تعتد في بيته، فإن اعتدت في بيته جاز بشرط وجود من تنتفي معه الخلوة، وتستّرها عن طليقها.

قال البهوتي رحمه الله: " وتعتد بائن حيث شاءت من بلدها، في مكان مأمون، ولا يجب عليها العدة في منزله؛ لما روت فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة، وهو غائب فأرسل إليها بشيء فسخطته ، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له فقال لها: (ليس لك عليه نفقة ولا سكنى، وأمرها أن تعتد عند أم شريك، ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي في بيت ابن أم مكتوم) متفق عليه ". انتهى من " كشاف القناع " (5/ 434).

وينظر: جواب السؤال رقم(394904)

والحاصل أن المطلقة الرجعية يجب أن تعتد في بيت زوجها، ويحرم خروجها وإخراجها منه إلا لضرورة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب