الاثنين 22 صفر 1446 - 26 اغسطس 2024
العربية

كيف نرد على من يزعم أن القرآن مأخوذ من أناجيل مفقودة؟

468719

تاريخ النشر : 05-02-2024

المشاهدات : 1206

السؤال

هناك بعض المعلومات العلمية في القرآن، يزعمُ بعض النصارى أنَّ محمد نسخها من الأناجيل المفقودة في وقت سابق، والتي أمر قسطنطين بحرقها في عام 325 م، ربما كانت بعض تلك الأناجيل موجودة في عهد محمد، يزعمُ بعض النصارى أنَّ محمدا لم يكن أميًا، وقد نسخ هذه المعلومات العلمية من تلك الأناجيل، يقولون: إنَّ محمدا كان مصدر إلهام بعد سماع قصة نبي آخر، وأراد أن يُعتَرَف به كنبي. فما هو دليلك ضد هذا الإدعاء؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

من القواعد الأساسية للمنهج العلمي أن المدعي هو المطالب بالدليل، أما مجرد أن يدعي المدعي شيئًا بغير أن يذكر حجة عليه، فهذا لا يصح من الناحية المنهجية، وبالتالي فلسنا مطالبين بإيراد دليل نرد به على ادعاء خال من الدليل أصلًا، فعبء الإثبات يُطالب به الذي ادعى هذه الدعوى.

فهل من المنطق في شيء، أو من العقل في شيء: أن ندعي أن الحقائق القرآنية التي نراها أمامنا، ونسمعها، ونتلوها: مأخوذة من أناجيل لم نرها، ولم نسمعها، ولم نقف على مضمونها؛ فقط بناء على دعوى كاذبة: أن النبي قد أخذ منها ، أو  ينبغي أن  يكون قد أخذ منها ؟ سبحانك؛ هذا بهتان عظيم!!

وقد علمنا الله أدبا عظيما مع هؤلاء الأعياء، هو أدب الفطرة، والمنطق السوي: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ البقرة/111.

ثانيًا:

قال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الأعراف/157.

في هذه الآية الكريمة وصف النبي صلى الله عليه وسلم بصفة "الأمية"، وقد نقل الواحدي في "البسيط" (9/396): اتفاق العلماء أن معناه "الذي لا يكتب ولا يقرأ".

قال قتادة في تفسير (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ): "وَهُوَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ" انتهى.

رواه الطبري في "تفسيره" (10/491).

ومما يؤكد أميته صلى الله عليه وسلم:

  • اتخاذه كتابًا للوحي من خاصة صحبه.
  • أنه لم يَعرف موقع اسمه المكتوب في صلح الحديبية.
  • الشهرة المستفيضة بعدم معرفته للكتابة ، ولهذه الشهرة المستفيضة لدى قومه الذين عاصروه قال تعالى مبينا هذه الحال التي يعرفها الجميع منه: ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) العنكبوت/48 .

ثم من حكمة تقدير الله لأميته صلى الله عليه وسلم: إبطال هذا الادعاء بأنه صلى الله عليه وسلم نسخ القرآن من غيره من الكتب، مع أنه ادعاء لا دليل عليه كما تقدم.  

وانظر في هذا جواب السؤال رقم: (300639).

ثالثًا:

إذا سلمنا جدلًا أن هذه الأناجيل نجت من الحرق، ووصلت بعد نجاتها عبر ثلاثمئة عام تقريبًا إلى مكة، فلا شك أنها لم تكن في كهف لا يطلع إليه إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما الذي يقتضيه المنطق العقلي أنها كانت بين أيدي النصارى الأحياء في الجزيرة العربية، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل من هذه الأناجيل، ويدعي أنه يوحى إليه من السماء وأنه نبي ينبغي أن يذعن لنبوته الناس كلهم من مشركي العرب ومن اليهود ومن النصارى؛ ألا يقتضي المنطق بعد ذلك كله أن يأتي النصارى، فيقولون لرسول الله: أنت نبي كذاب-وحاشاه صلى الله عليه وسلم- تسرق من أناجيلنا القديمة ما تدعي أنه وحي أوحي إليك؟

في الواقع لم يحدث ذلك، بل أسلم عدد كبير من النصارى مثل عدي بن حاتم ومثل نصارى نجران، ولو كان لهذه الأناجيل وجود، ولو كان أخذُ رسول الله منها حقيقة واقعة، لانكشف أمره لنصارى جزيرة العرب، ولفضحوا أمره.

 رابعًا:

 اتصل أمر رسول الله بالنجاشي في الحبشة وكان نصرانيًا لديه قساوسة علماء بالنصرانية، واتصل أمر رسول الله بهرقل الروم، وكان نصرانيًا لديه قساوسة علماء بالنصرانية، واتصل أمر رسول الله بالمقوقس في مصر ولديه قساوسة علماء بالنصرانية، ورغم ذلك كله: لم يذكر واحد من هؤلاء قط أن رسول الله أخذ رسالته من تلك الأناجيل ونسبها للوحي، بل يستوي من آمن به كالنجاشي، ومن كفر به كهرقل والمقوقس؛ استوى الجميع في أنهم لم يتهموه بتلك التهمة التي لا دليل عليها.

خامسًا:

انتشرت الفتوحات الإسلامية في مصر والشام، ثم في القسطنطينية عاصمة المسيحية الكبرى، وألف علماء النصارى عبر هذا التاريخ الطويل كتبًا كثيرة في الرد على الإسلام، منها كتابات قديمة كتبها يوحنا الدمشقي في زمن قريب من زمن رسول الله، ووصلتنا هذه الكتب، وهي موجودة في مكتبات العالم ومترجمة للإنجليزية وغيرها، ورغم ذلك ليس في هذه الكتب أي إثبات علمي لهذا الأخذ من تلك الأناجيل القديمة، ولوكان أحد يستطيع أن يثبت هذا بطريقة علمية، لاستطاع أولئك العلماء النصارى في تلك الأزمان القديمة.

والخلاصة:

أن أمية النبي عليه الصلاة والسلام ثابتة بدليل قطعي، وأن المذكور في السؤال هو ادعاء لا دليل عليه، وأن هناك أدلة تمنع من إمكانية حصول هذا الادعاء، لأنه لوكان قد حصل لفضحه النصارى المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم، ولفضحه بالدليل علماء النصارى عبر التاريخ، والواقع أن هذه الفضيحة لم تحدث ممن عاصر رسول الله، ولم يستطع أحد عبر التاريخ أن يورد أدلة صحيحة على أخذ رسول الله لرسالته من تلك الأناجيل القديمة.

وينظر جواب السؤال رقم: (47516).


والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب