الأربعاء 18 محرّم 1446 - 24 يوليو 2024
العربية

ما هي آداب المناظرة وما الفرق بينها وبين المحاورة والمناقشة؟

468833

تاريخ النشر : 28-11-2023

المشاهدات : 3229

السؤال

ما هي آداب المناظرة؟ وما الفرق بينها وبين المحاورة، والمناقشة؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

(المناظرة)

* المناظرة لغة مشتقة من النظر، ومن الانتظار، ومن النظر بالبصيرة، ومن النظير.

انظر: "التعريفات" (ص298)، "البحر المحيط" (1/42)، "مجموع الفتاوى" (2/430).

* ومادة نظر تدور عل ثلاثة معان:

1- النظر الذي هو حس البصر ورؤيته، ومنه قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) القيامة/22، 32.

2- النظر بمعنى الانتظار، ومنه قوله تعالى: (انظرونا نقتبس من نوركم) الحديد/13

3- النظر بمعنى التفكر في الشيء، ومنه قوله تعالى: (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض) الأعراف/185.

 * والنظر نوعان: طلبي، واستدلالي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "النظر تجريد العقل عن الغفلات، وقيل: هو تحديق العقل نحو المرئي. والأول هو النظر الطلبي؛ وهو طلب ما يدلّه على الحق، والثاني هو النظر الاستدلالي؛ وهو النظر في الدليل الذي يوصله إلى الحق. وهذا الثاني هو الذي يوجب العلم" انتهى، من "النبوات" (2/657).

* وتطلق المناظرة على المراء، على معنى استخراج مذهب وأدلة المخالف، قال ابن الأثير: "ويقال للمناظرة مماراة، لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه، ويمتريه، كما يمتري الحالبُ اللبن من الضرع" انتهى، من "النهاية في غريب الحديث" (4/322).

 * وتأتي المناظرة بمعنى المجادلة المحمودة، وهي استخراج الصواب، قال صديق حسن خان: "ولا يبعد أن يقال إن علم الجدل هو علم المناظرة، لأن المآل منهما واحد" انتهى، من "أبجد العلوم" (2/208).

* وهناك فروق بين المناظرة والجدل، منها:

1 - أن الجدل احتجاج باللسان، أما النظر فقد يكون بالقلب والفكر. انظر: "البحر المحيط في أصول الفقه" (1/43).

2- أن النظر يصح من طرف واحد، بينما الجدل لابد من طرفين، قال الخطيب البغدادي: "ولا يصح الجدل إلا من اثنين، ويصح النظر من واحد" انتهى، من "الفقيه والمتفقه" (1/230).

3- أن المقصود من المناظرة هو ظهور الحق في المطلوب، بينما مقصود المجادلة المذمومة فهو رجوع الخصم إل قول المجادل. انظر: "تفسير القرآن لأبي مظفر السمعاني" (2/425).

ينظر فيما سبق: "أصول الجدل والمناظرة في الكتاب والسنة" (ص 13-14)، و"منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل الاعتقاد" (1/28-29)، تأليف د. عثمان علي حسن.

ثانيًا: ​

(المحاورة)

أصلها في اللغة من الحَوْر، وهو "الرجوع من الشيء وإلى الشيء" انتهى، من "لسان العرب" (4/217).

وفي الاصطلاح: "هو مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين والأخذ والرد فيه" انظر: "الحوار" (ص20).

وقد ورد لفظ الحوار في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، هي:

1-  وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا  الكهف/34.

2- قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا الكهف/37.

3-  قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ المجادلة/1.

ومن أمثلة الحوار وسياقاته في القرآن الكريم:

1- حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة بشأن خلق آدم عليه السلام.

2- حوار الله سبحانه وتعالى مع إبراهيم عليه السلام بشأن كيفية الخلق.

3- حوار نوح عليه السلام مع قومه.

4- حوار إبراهيم عليه السلام مع النمرود.

وكذلك عنيت السنة بالحوار، فمن ذلك:

1- حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع عتبة بن ربيعة. انظر "سيرة ابن هشام" (1/313).

2- حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنصار بعد معركة حنين. أخرجه البخاري(4330)، (7345)، ومسلم(1061).

 انظر: "فن الحوار"، لفيصل الحاشدي.

والخلاصة: أن الحوار هدفه تبادل المعلومات واستكشاف وجهات النظر، أما الجدل والمناظرة فيهدفان إلى تصحيح قول وإبطال آخر. وقد يستعمل كل منها في موضع الآخر.

ثالثًا:

(آداب المناظرة)

وهي كثيرة منها:

1- حسن القصد:

قال يوسف ابن الإمام ابن الجوزي: "وأول ما تجب البداية به حسن القصد في إظهار الحق" انتهى، من "الإيضاح لقوانين الاصطلاح" (ص42).

وقال الخطيب البغدادي: "ويخلص النية في جداله؛ بأن يبتغي به وجه الله" انتهى، من "الفقيه والمتفقه" (2/25-26).

2- استظهار مذهب المخالف:

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لا ينبغي للإنسان أن يدخل مجادلة أحد إلا بعد أن يعرف حجته" انتهى، من "شرح كشف الشبهات" (ص73).

3- مراعاة قدر المناظِر:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم) أخرجه مسلم في "مقدمة صحيحه" رقم 6.

قال الجويني رحمه الله: "وعليك المحافظة على قدرك، وقدر خصمك، وإنزال كل أحد في وجه كلامك معه درجته ومنزلته، فتميز بين النظير، وبين والمسترشد، وبين الأستاذ" انتهى، من "الكفاية في الجدل" (ص531).

4- المجادلة بالحسنى:

قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ النحل/125.

يقول الشاطبي في فوائد المجادلة بالحسنى واللين والرفق: "لأن ذلك أدعى إلى القبول وترك العناد، وإطفاء نار العصبية" انتهى، من "الموافقات" (2/106).

5- الاتفاق على الأسس:

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "ينبغي لمن ناظر غيره أن يؤسس الأسس التي يتفق عليها المتناظران، ثم إذا حصل الاتفاق وتم الالتئام، انتقل منه إلى المواضع المختلف فيها بلطف وهدوء" انتهى، من "مجموع الفوائد" (ص255).

6- تحرير محل النزاع:

والمقصود به:  تحديد الأمور المتفَق عليها واستبعادها من ساحة النقاش،  و تعيين محل الخلاف ومناقشته بمفرده.

وإخراج الصور التي قد تلتبس بالمسألة ويظن أنها داخلة فيها ، فبعض المسائل تتشعب فروعها إلى مسائل متعددة ، وبتحرير محل النزاع يتم تحديد الفرع المراد بحثه.

وتحرير محل النزاع يقلل من الخلاف كما قال ابن تيمية: "فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ نِزَاعِ الْعُقَلَاءِ لِكَوْنِهِمْ لَا يَتَصَوَّرُونَ مَوْرِدَ النِّزَاعِ تَصَوُّرًا بَيِّنًا". انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/57) .

ولذا ينبغي استعمال الواضح من الألفاظ، واجتناب المجمل منها، يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "آداب البحث والمناظرة" (2/91): "ومنها أن يتجنبا غرابة الألفاظ وإجمالها".

7- تجنب الغضب والضجر:

قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (2/156): "الغضب غول العقل، يغتاله كما تغتاله الخمر، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم: (أن يقضي القاضي بين اثنين وهوغضبان)".

8- إنصاف المناظر:

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (ص915): "فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد [منهما] يحرص على ما لَهُ من الحجج، فيجب عليه أيضًا أن يبين ما لخصمه من الحجج [التي لا يعلمها]، وأن ينظر في أدلة خصمه، كما ينظر في أدلته هو.

وفي هذا الموضع: يُعرَف إنصاف الإنسان من تعصُّبِه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق لكل خير" انتهى.

9- الحرص على ود الصاحب:

يقول يوسف الصدفي: _كما في "سير أعلام النبلاء" (10/16)_ "ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يومًا في مسألة، ثم افترقنا، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة".

10- الإعراض عن العجب:

يقول الخطيب البغدادي: "وينبغي أن لا يكون معجبًا بكلامه مفتونًا بجداله، فإن الإعجاب ضد الصواب ومنه تقع العصبية، وهو رأس كل بلية" انتهى، من "الفقيه والمتفقه" (2/30).

 انظر فيما سبق: "أصول الجدل والمناظرة في الكتاب والسنة" (ص 519-574)، تأليف حمد بن إبراهيم العثمان.

 والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب